مع بداية موسم الحصاد، تعرضت مئات المزارع في محافظات ومدن مختلفة، إلى حرائق كبيرة بشكل متزامن، طالت محصولي القمح والشعير، بعد ترجيحات بتحقيق اكتفاء ذاتي هذا العام، لتعيد إلى الأذهان سلسلة "كوارث" حلت بموارد البلاد كلما اقتربت من الاكتفاء منها آخرها الأسماك والطماطم، وتثير اتهامات لجهات داخلية وخارجية بتهديد أمن البلاد الاقتصادي.
التهمت النيران مساحات واسعة من حقول القمح بالتزامن بعد موسم وفير من الأمطار وترجيحات باكتفاء ذاتي!
والتهمت النيران، على مدى الأيام القليلة الماضية، مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، بدأت من محافظة ديالى، مرورًا بكركوك تلتها الديوانية ثم محافظة النجف، وأخيرًا صلاح الدين وتحديدًا قضاء الشرقاط.
اقرأ/ي أيضًا: الزراعة تصدر إنذارًا بشأن تحويل البساتين إلى مساكن وتصادر المهملة منها للدولة
الحرائق قد تخيب آمال وزارة الزراعة، التي رجحت، في نيسان/أبريل الماضي، أن يتم حصاد خمسة ملايين طن من القمح خلال الموسم الحالي بفضل الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد، وسط اتهامات لجهات داخلية وخارجية بالتآمر لمنع الاكتفاء الذاتي من الحبوب، ومطالبات للحكومة بتقديم "تفسير منطقي" لما يحدث، والتحرك لحماية أمن وممتلكات الفلاحين.
"كمائن الحنطة"!
أجبرت سلسلة الحرائق المزارعين بمحافظة ديالى، على تشكيل مجموعات حراسة ليلية لتأمين حقول القمح، فيما لم تنج حقول صلاح الدين التي شهدت "موسمًا مثالياً" للفلاحين لزراعة مساحات واسعة.
يقول رئيس اللجنة الزراعية في مجلس ديالى، حقي الجبوري، إن "حرائق الحنطة انتشرت بـ 5 مناطق هي قره تبه وأطراف قضاء خانقين والعظيم و بهرز وحوض حمرين"، مبينًا أن في حديث لـ"ألترا عراق" أن "أكثر المناطق المتضررة كانت أطراف خانقين، حيث طالت النيران 300 دونم"، لكنه رأى أن "ما حصل يحمل بصمات تنظيم داعش".
منذ أسبوعين، يستنفر الدفاع المدني عناصره بمحافظة ديالى، لأن بعض الحرائق طالت حتى الأدغال والحشائش البعيدة عن الحقول الزراعية بعد حرائق طالت أطراف ناحية العظيم (60 كم شمال بعقوبة)، يقول رئيس اللجنة الأمنية في مجلس ديالى، صادق الحسيني، فيما بين رئيس مجلس الناحية، محمد العبيدي، في حديث لـ "ألترا عراق" إن "أعمال تخريب على يد عناصر تنظيم داعش، كانت متوقعة، ما دفع الأهالي إلى تشكيل (كمائن الحنطة)، وهي مفارز ليلية لحماية الحقول من الحرائق".
بدوره يرى النائب أحمد مظهر الجبوري، أن حرائق الحنطة "سياسية داعشية لفرض حصار اقتصادي على المناطق المحررة"، داعيًا في حديث لـ"ألترا عراق" الحكومة إلى "تعويض المتضررين وتعقب الخلايا النائمة".
عن محافظة صلاح الدين التي لم تسلم حقولها من عمليات الحرق، طالب رئيس حزب "المسار المدني"، النائب مثنى السامرائي، السبت 18 آيار/مايو 2019، الأجهزة الأمنية والاستخبارية بإجراء تحقيق عاجل في الحرائق التي تعرضت لها العشرات من مزارع الحنطة والشعير في المحافظة.
أعرب السامرائي، في بيان له عن "استغرابه من أسلوب اللامبالاة وعدم اتخاذ المحافظ والحكومة المحلية في صلاح الدين أي إجراءات لمنع استمرار الحرائق"، مطالبًا إياهما بـ "العمل الجاد والعاجل وبذل كل الجهود الممكنة للكشف عن ملابسات الحوادث ومنع تكرارها".
ولفت إلى أن الموسم الحالي كان "مثاليًا" للمزارعين والفلاحين لزراعة مساحات واسعة بمحصولي الحنطة والشعير، داعيًا رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، إلى "التدخل العاجل"، والحكومة إلى إعلان "حالة الطوارئ واعتبار المناطق التي تعرضت للحرائق مناطق منكوبة وتعويض الفلاحين عن الخسائر الفادحة".
على خطى الطماطم الأسماك!
يرى مسؤولون حكوميون وناشطون، في حرائق الحنطة جزءًا من مسلسل استهداف الاقتصاد العراقي، وتتمة لحوادث تدميرية طالت في وقت سابق محاصيل زراعية وبعضًا من الثروة الطبيعية في البلاد، من بينها محصول الطماطم في البصرة، وبيض المائدة، فضلًا عن الأسماك في محافظة بابل وبعض المناطق، لإدامة عملية استيراد المحاصيل من دول الجوار أبرزهما تركيا وإيران.
عد سياسيون ومسؤولون وناشطون الحرائق "مدبرة" بهدف ضرب الاقتصاد العراقي لصالح دول الخارج وأبرزها إيران وتركيا
كان المزارعون في محافظة البصرة، قد حذروا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2019، ممن وصفوهم بـ "سماسرة إيران"، الذين يسعون لإستهداف أسواق الخضار في المحافظة، فيما أعلنوا تنظيم تظاهرة رافضة لاستمرار استيراد الطماطم الإيرانية على حساب المحلية، رغم قرار وزارة الزراعة منع استيرادها.
وكانت الزراعة، قد شددت في وقت سابق على منع استيراد محصول الطماطم اعتبارًا من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، على ضوء وفرة المنتج الزراعي المحلي. ودعا الناطق الرسمي للوزارة، حميد النايف في بيان له، حينها، هيئة المنافذ الحدودية بـ"تنفيذ القرار من أجل حماية المنتج الزراعي المحلي".
لكن بعد شهرين فقط من قرار المنع، فتك وباء مجهول بمحصول الطماطم في مزارع قضاء الزبير، غربي محافظة البصرة، بعد وصول القضاء إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى محافظات البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!
وأكد المتحدث باسم فلاحي البصرة، عبد الله المشرفاوي، في 6 كانون الثاني/يناير 2019، أن "وباءً مجهول التسمية فتك بمحصول الطماطم بقضاء الزبير بعد وصول القضاء لمرحلة الاكتفاء الذاتي في تغطية البصرة، فضلًا عن التسويق المحلي لمحافظات الوسط والجنوب، بعد أن كانت الطماطم تستورد من إيران"، مبينًا في تصريح صحافي، أن "أكثر من 4000 مزرعة تعرضت للوباء بشكل متفاوت و250 مزرعة تعرضت لإبادة كاملة"، فيما اتهم دولًا مجاورة لم يسمها بتدبير الأمر، لتضررها "بعد أن كانت تصدر الطماطم إلى العراق".
بالعودة إلى أزمة الحرائق، دعا النائب في البرلمان عن تحالف القوى العراقية، رعد الدهلكي، الخميس الماضي 16 آيار/مايو، الحكومة إلى "تقديم تفسير منطقي لحرائق الحقول بديالى وصلاح الدين وتلف المحاصيل بالبصرة"، متهمًا "أياد خفية بالسعي لتدمير الزراعة العراقية بشكل منظم وممنهج"، كما رأى أن "ظاهرة إحراق الحقول في ديالى، وقبلها تلف محصول الطماطم في البصرة، ونفوق الأسماك، وغيرها من الحوادث التي لم يكشف عن المتورطين فيها، تستدعي الانتباه".
كانت وزارة الـزراعة قد أعلنت، في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، نجاحها بتأمين الاكتفاء الذاتي للبلاد من الأسماك المحلية بنسبة 100%، باتباعها أحدث طرق في تربيتها، ثم ما لبثت تلك الأطنان من الأسماك أن نفقت بسرعة البرق دون أن يتم تقديم سبب منطقي أو كشف نتائج التحقيق بـ "الكارثة" حتى الآن.
تأتي حرائق القمح ضمن سلسلة كوارث حلت بالثروات الزراعية منها وباء الطماطم ونفوق مئات الآلاف من أطنان السمك
ويبدو أن "كارثة القمح" ستمضي شأنها شأن "الكوارث" الأخرى التي حلت بالاقتصاد العراقي منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، دون كشف الفاعل والمسبب الحقيقي، كما هو الحال بشأن بقية الجرائم والأزمات، بانتظار "كارثة جديدة" تطيح بمحصول أو ثروة أخرى مع اقتراب الاكتفاء الذاتي منها، ثم نسيانه شيئًا فشيئًا كما حصل مع التمور، التي تراجعت في السنوات الأخيرة مع احتلال التمور المستوردة أسواق العراقيين وموائدهم.
اقرأ/ي أيضًا:
الزراعة والصناعة.. شاهدان يكشفان "جرائم" الاحتلال الأمريكي بالأرقام!
مزارعو الطماطم في البصرة.. الحكومة مسؤولة عن بطالتهم وتضرب المنتوج الوطني