ألترا عراق ـ فريق التحرير
غالبًا ما تحيل الأوساط الشعبية والنخب الثقافية في العراق، المعارك العشائرية الطاحنة التي تشهدها محافظات البلاد، إلى "رجعية" بعض القبائل وأفرادها، فيما يأتي تحميل المسؤولية بالدرجة الثانية على ضعف الردع الذي تبديه القوات الأمنية لهذه العشائر، إلا أن هذين السببين ليسا الوحيدين، وعلى ما يبدو أن هناك بعض القبائل المتناحرة مستعدة ومرحبة بشكل واضح لتطبيق القانون لإعادة حقوقها، ولا يدفعها إلى هذه المعارك ـ بحسب قولها ـ سوى ضعف تطبيقه، وتهاون القوات الأمنية في أخذ زمام المبادرة لحل المشاكل ولا سيما الجرائم منها، قبل أن تدفع عشيرة المجني عليه للشعور بأن حقهم على وشك الضياع وأن الجاني يقترب من "الإفلات من العقاب".
شهدت محافظة ذي قار وتحديدًا ناحية العكيكة جنوبي المحافظة، نزاعًا عشائريًا بمختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة على خلفية إفلات الجاني من العقاب
في واحدة من أكثر المحافظات تسجيلًا للنزاعات العشائرية، أجرى قائد عمليات البصرة اللواء الركن علي الماجدي زيارة ميدانية إلى شمال المحافظة قبل أيام، ليتحدث عن ما وصفه بـ"أحد أهم أسباب النزاعات العشائرية"، وهو بحسب الماجدي: "عدم أو تأخير إلقاء القبض على القاتل، ولأسباب كثيرة أهمها الهروب خارج قاطع المسؤولية مما يؤدي إلى إثارة حفيظة عشيرة المجني عليه ضد الجاني".
اقرأ/ي أيضًا: "الإفلات من العقاب".. اعتقال المتهم الثاني في قضية اغتيال والد علي جاسب
ويتضح من كلام الماجدي أن العناصر الأمنية المتهاونة باعتقال وملاحقة الجناة، وعدم وجود رد فعل سريع تجاه هذه الجرائم، تدفع حتى تلك العشائر التي تعتمد على القانون لاسترجاع الحقوق، إلى الاضطرار لأخذ حقها بطرق أخرى، رغم أن هذه النزاعات ستندلع ضد أشخاص لا علاقة لهم بالقاتل سوى صلة القربى، ويتحملون ذنبًا لم يقترفوه عقب هرب الجاني.
وأكد قائد عمليات البصرة بحسب بيان اطلع عليه "ألترا عراق"، أن "تفعيل مذكرات إلقاء القبض والعمل بشكل مستمر على مطاردة المطلوبين يعكس الجانب الإيجابي للمدينة ويمنع الاقتتال العشائري، خصوصًا إذا كان المطلوب أو القاتل في قبضة القوات الأمنية والقضاء".
إفلات جانٍ من العقاب يشعل "معركة الهاونات"
وقبل يومين، شهدت محافظة ذي قار وتحديدًا ناحية العكيكة جنوبي المحافظة، نزاعًا عشائريًا بمختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة، فضلًا عن أن بعض الأطراف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي تحدثت عن استخدام الهاونات أيضًا في هذه المعركة، حتى انتشر مقطع فيديو يظهر المساجد في المدينة وهي تنادي عبر مكبرات الصوت وتترجى المتنازعين بتحكيم العقل وإيقاف إطلاق النار ليتمكن أبناء الناحية من إطفاء حريق ضخم اشتغل نتيجة النزاع العشائري، فضلًا عن تضرر بعض خطوط نقل الطاقة الكهربائية ما أدى لانطفاء الكهرباء عن المدينة بالكامل.
هذه المعركة الضخمة، جاءت على خلفية "إفلات الجاني من العقاب"، بحسب مدير ناحية العكيكة حازم الحجامي.
الحجامي قال في تصريحات صحفية تابعها "ألترا عراق"، إن "سبب النزاع العشائري يوم الخميس والذي امتد لفجر يوم الجمعة يعود إلى وجود نزاع سابق حصل قبل شهر من الآن بين أفراد من قبيلتي (الزرگان وآل شميس) أدى لسقوط قتلى وجرحى بالحادث"، لافتًا إلى أن " النزاع تجدد أمس بسبب عدم تسليم الطرف الجاني (القاتل الرابع) للقوات الأمنية بعد تسليم ثلاثة أشخاص آخرين بوقت سابق، نتيجة هرب هذا الشخص إلى جهة مجهولة حتى لدى ذويه".
وبيّن أن" الطرفين جلسا وقاموا بتوقيع وثيقة بعدم إعادة (ليلة الهاونات) مرة أخرى للقضاء وعدم ترويع الأهالي مرة أخرى، فضلً عن تضمن الوثيقة هدر دم الجاني من قبل أفراد عشيرته وإباحة دمه، ولمن يعثر عليه في أي مكان قتله أو تسليمه للأجهزة فهو حر بما يفعل".
إنهاء الإفلات من العقاب.. قضية اجتماعية وسياسية
وتذكر هذا الحقائق القادمة من المحافظات الساخنة بالمعارك العشائرية، والتي تسلط الضوء على استعداد العشائر للخضوع للقانون والقبول بحكمه في فض الخلافات، بالحملة الواسعة التي ينتهجها ناشطون ومتظاهرون في العراق مؤخرًا، حتى أصبحت حملة "إنهاء الإفلات من العقاب" امتداد مباشر لتظاهرات تشرين.
ويقول المتظاهر من محافظة ذي قار أسعد فالح في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "هذه التفصيلة في المعارك العشائرية تظهر مدى أهمية الحملة المطالبة بانهاء الإفلات من العقاب وكيف أنها لا تمس الواقع السياسي فحسب والمطالب بمحاسبة الفاسدين والقتلة وحالات الاغتيال السياسي، بل أنها تمتد إلى واحدة من أهم القضايا المجتمعية المعقدة في البلاد والتي تتمثل بالنزاعات العشائرية".
معظم النزاعات العشائرية تحدث نتيجة عدم تدخل القانون بشكل حازم في حل المشاكل حال وقوعها ومنع تطورها إلى معارك
ويرى فالح أن "معظم النزاعات العشائرية تحدث بالفعل نتيجة عدم تدخل القانون بشكل حازم في حل المشاكل حال وقوعها ومنع تطورها إلى نزاعات ومعارك عشائرية"، مبينًا أن "معظم العشائر بدأت اليوم تلمس مدى سلبية تبعات النزاعات والمعارك ومستعدة للاحتكام إلى القانون، لكنه يخذلهم بعض الأحيان، وعندما يقترب أحد الجناة من الإفلات من العقاب يثير حفيظة عشيرة المجني عليه ولا يجدون أمامهم سوى الخروج للمطالبة بحقهم بنفسهم وهو ما يتطوّر لاحقًا إلى معارك ضارية تسقط المزيد من الضحايا، لذا يجب أن تدرك القوات الأمنية أن تباطؤها في تحقيق العدالة ومعاقبة الجناة يجعلها السبب الأبرز والأهم في إذكاء وإشعال نيران المعارك العشائرية".
اقرأ/ي أيضًا:
لحظة "الانفجار".. عواقب عقدين من الإفلات من العقاب
من بغداد إلى البيت الأبيض.. العراقيون يلهبون حملة "إنهاء الإفلات من العقاب"