05-نوفمبر-2021

أفضى السكوت السياسي/الديني إلى الإيغال في تصفية الناشطين والصحفيين (فيسبوك)

لم يكن الفزع الأهلي والدولي من سيطرة تنظيم داعش على محافظات عراقية وسورية وإعلانه دولة الخلافة لخلافٍ في وجهات النظر أو عنفٍ دموي يقابل به خصومه وأعداءه، فأغلب الأطراف تقتل بعنفٍ. لم يكن البطش بلا قواعد، ففي النهاية هناك ما يستند إليه التنظيم في تصفياته من تشريعات وقوانين وفتاوى وضعها أو استحضرها لتنظيم تصفياته الجسدية. كان القتلُ والتنكيل بلا خطوط حمراء ولا تفرقة بين مدنيين وعسكريين وبدمٍ بارد متجمّدٍ بفعل القناعات الدينية والاستعداد للموت في سبيل قتل الآخرين، والإرهاب بمعناه الحرفي وسيلةً لتحقيق الغاية، والغاية تكون القتل في بعض الأحيان، وجعل الناس يقتلون بعضهم أمام الكاميرات، وغير ذلك، هو ما أفزع المجتمع.

أفضى السكوت السياسي/الديني إلى الإيغال في تصفية الناشطين والصحفيين استنادًا إلى تحريض صريح في بعض الحالات حتى بعد انتهاء التظاهرات

الأساسُ في المسألة يضرب أعماق النفس البشرية التي ترنو إلى جعل القتل عملية اضطرارية لا تخلو من أخلاقيات إنسانية عامة، وشعبية خاصة، قبلية منها ودينية.

اقرأ/ي أيضًا: قناص تشرين.. في اختباء المجرم من "العدو" الأعزل

كنّا قد سلطنا الضوء على حادثة قنص المتظاهرين مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019 وما تحمله من إشارات تستدعي التأمل بعقلية مطلقي الرصاص ومن أمرهم بذلك خصوصًا لناحية خلو التظاهرات من هدف "مهم" من الواجب تحييده لإخضاع العدو (التظاهرة)، فكان الرصاص يوجه بناءً على وجهة نظر مطلقه، وتلك عمليةٌ مشبعةٌ بالإجرام وغياب الكوابح الأخلاقية.

رغم حديث "القادة" السياسيين والنخب الاجتماعية والعشائرية والمرجعيات الدينية عن حوادث القمع والبطش؛ لكنهم لم يتوقفوا عندها كما تستوجب جسامة الحدث. يُمكن بنظرة سطحية تبرير ذلك بالتعوّد على سقوط الضحايا وسفك الدم في بلاد الدماء عِبر نصف قرن من الزمان. أفضى السكوت السياسي/الديني إلى الإيغال في تصفية الناشطين والصحفيين استنادًا إلى تحريض صريح في بعض الحالات حتى بعد انتهاء التظاهرات.

الآن، كان ينبغي على الفاعلين في المجال الديني والسياسي التوقف بجدية عند اعترافات من قتل الصحفيين أحمد عبد الصمد وصفاء غالي بوصفها اعترافات تقطع الشك باليقين وتُظهر المسكوت عنه للعلن وبالتالي تتيح وتستوجب التعليق والتوقف.

السؤال الواجب: أيُ مستقبلٍ ينتظره هؤلاء الزعماء الدينيون والسياسيون في ظل حديث عن قتل مدنيين عُزل بناءً على فتوى وكذلك سجود القاتل بعد سماع حكم الإعدام بحقه من قبل المحكمة؟.

إن فكرةَ قتل الأعداء في الجبهات - رغم رفضها عادةً - إلا أن البشرية تطبعت معها على مدى التاريخ. لكن ما يهدد بانهيار مجتمع ما تتوافر عناصره في هذه الحادثة (المثال لما هو أعمق): قتل مدنيين غدرًا. من ذات المذهب. قد يكونوا أعداءً محتملين. قد يكونوا مساهمين من بعيد في تحقيق طموحات العدو.

تتحقق حالة الخوف المجتمعي بكامل أركانها حين يكون الإرهاب وسيلة لتحقيق غاية، وضمنها الغايات السياسية. ونعتقد أن كل العناصر المطلوبة لتوصيف الحدث بالإرهاب تنطبق على هذه الحادثة المتخذة مثالًا وما سبقها وتبعها، بل أن القتلَ بهدف القتل متحقق هنا.

نقول: ما زال في الوقت بقية. ما زال المجتمع لم ينزلق بعد إلى أوضاع تتعذر فيها العودة إلى نقطة الصفر. المذهبُ الذي لم يحكم طوال القرون الأربعة عشر الماضية بات مهددًا من وجهة نظرنا بفقدان السيطرة على نفسه وتآكل مميزاته التي حافظت عليه رغم أنه أقلية دينية، لأن عداء نظام دكتاتوري قمعي للمذهب أو جماعة إرهابية مسلحة لا يُعد خطرًا استراتيجيًا عليه - لتوافر مقومات الدفاع على نفس في بُنيته - بقدر خطورة تحول المذهب ذاته إلى جماعات تفتك ببعضها البعض مستندة إلى الفتاوى الدينية وتخمينات المنفذين وإيمانهم بضرورة إرهاب المختلفين. هؤلاء لن يرحموا حتى رجال الدين في المستقبل.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

محاكمة "فرقة الموت".. فتوى اغتيال أحمد عبد الصمد "صدرت من خامنئي"

مواجهة مع "فرقة الموت".. عائلة أحمد عبد الصمد تطلب المساندة