ازدادت ظاهرة "اغتصاب الأطفال"، مؤخرًا في العراق، على الرغم من الإجراءات والملاحقات التي تعلن سواء من قبل الأجهزة الأمنية أو القضائية، إلا أنها مستمرة في الانتشار، وكان آخرها في بغداد والبصرة.
تعلن القوات الأمنية في العراق حالات اغتصاب واختطاف لأطفال بين فترة وأخرى
وسجلت البصرة خلال الشهر الماضي، جريمة مروعة بعد خطف طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، واغتصابها والتنكيل بجثتها قبل رميها في حاوية النفايات، في المقابل أفشلت القوات الأمنية في بغداد بالشهر نفسه، محاولة شخص يعمل حارسًا في أمانة بغداد أقدم على خطف طفل ومحاولة اغتصابه.
وفي الشهر الجاري، أعلنت خلية الإعلام الأمني، قبل ساعات قليلة اعتقال متهم يقوم باستدراج الأطفال واختطافهم وأغتصابهم في ناحية الملتقى التابعة إلى محافظة كركوك، في إعلان حقيقي عن زيادة ظاهرة الاعتداء على الأطفال في العراق خلال السنوات القليلة الماضية.
زيادة واضحة
ويقر ضابط برتبة لواء في وزارة الداخلية ، بـ"زيادة واضحة في حالات اغتصاب الأطفال في عموم محافظات العراق، أغلبها غير معلن للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي"، مبينًا أنّ "العديد من العائلات تتحاشى الإبلاغ عن هذه الحالات خوفًا من الفضائح الاجتماعية".
الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، قال إنّ "العراق سجل أكثر من 3 حالات لاغتصاب الأطفال ثم قتلهم خلال العام الماضي، في حين لا توجد إحصائية للعام الحالي إلى الآن بشأن هذا الملف"، موضحًا أنّ "الشذوذ الجنسي يعتبر السبب الرئيس وراء انتشار هذه الظاهرة في عموم العراق".
ولا يعتقد الضابط أن المخدرات مؤثرة بهذا الملف، قائلًا لـ"ألترا عراق"، إنّ وزارته "لم تسجل وجود متعاطين للمخدرات ضمن المعتقلين بهكذا تهم، إلا عدد قليل جدًا ولا يتجاوز أصابع اليد الواحدة"، مؤكدًا أنّ "الحديث عن أن أغلب هؤلاء (الذين يغتصبون الأطفال)، يتعاطون المخدرات والكحول عار عن الصحة".
ووفقًا للإحصائيات المعلنة، فإن القوات الأمنية اعتقلت خلال العام الماضي 2022 أكثر من 14 ألف شخص بين متعاط ومتاجر بالمخدرات، بينهم 500 من النساء والأحداث، يقومون بالترويج وبيع الممنوعات في عموم المحافظات.
"ظاهرة حقيقية"
بشرى العبيدي، وهي ناشطة مدنية مهتمة بحقوق المرأة والطفل، تقول من جانبها، إنّ "قضية الاعتداء على الأطفال أصبحت ظاهرة حقيقية تهدد المجتمع العراقي"، معتقدةً أنّ أبرز الأسباب التي تقف وراء الظاهرة هي "انتشار المخدرات والمشروبات الكحولية بشكل عشوائي دون رقابة".
وتختلف العبيدي، مع حديث الضابط في وزارة الداخلية، بإرجاع انتشار الظاهرة إلى المخدرات، حيث أنها "تفقد الأنسان سيطرته وتحول غريزته إلى (غريزة حيوانية)"، مؤكدة أنّ "إفلات الأشخاص من العقوبة يدخل أيضًا من الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة، كون أن العادات والتقاليد تمنع العديد من العائلات تقديم شكوى في القضاء بحق المعتدين على أطفالهم".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، توضح العبيدي، أن "الأمراض النفسية للمعتدين تعتبر أيضًا أحد الأسباب الرئيسة، و ضعف الملاحقة القضائية لهم أسفرت عن تشجع البعض على القيام بهكذا أعمال"، محملة الجهات الحكومية "مسؤولية انتشار هذه الظاهرة، خصوصًا وأنها لم تتخذ إجراءات رادعة للحد منها".
ويسعى مجلس النواب العراقي منذ العام الماضي إلى تمرير مشروع قانون حماية الطفل بعد تعثره خلال الدورات السابقة، حيث أنّ القانون يهدف للحد من العنف ضدّ الأطفال، حيث يزعم العديد من أعضاء مجلس النواب أن "المشروع الحالي يفتقر إلى التوازن بين الحماية والعادات والتقاليد والقيم والأعراف المُجتمعية".
"أمراض نفسية"
وترى الباحثة الاجتماعية، نادية جعفر، أنّ الاعتداء الجنسي على الأطفال، هو "أحد أنواع العنف الجنسي والذي يشخص بالمرض النفسي".
وتقول جعفر، خلال حديثها لـ"ألترا عراق"، إنّ "هذا النوع من العنف يحدث في المجتمعات والأسر المفككة، والتي تعاني من أمراض اجتماعية وأهمها الفقر والجهل والحرمان العاطفي وخصوصًا في المناطق النائية التي تحكم تلك المجتمعات العادات والتقاليد والجهل بالحقوق وكيفية الدفاع عنها".
والأطفال، بحسب جعفر، هم الفئة "الأكثر عرضة لهذا النوع من الاعتداء، فيحدث أحيانًا في المدارس أو المتنزهات والحدائق العامة التي تكثر فيها الأماكن المنعزلة، حيث يقوم المعتدي باستدراج ضحيته أما عن طريق الإقناع، أي أن الطفل يعرف المعتدي ويثق به أو التهديد أو الخطف".
يرى خبراء ومراقبون أن ما يعلن عنه من جرائم اغتصاب الأطفال أقل بكثير مما يخفى
وختمت الباحثة الاجتماعية حديثها بالقول إنّ "المعتدي أحيانًا هو نفسه ضحية اعتداء جنسي سابق"، معتبرة أنّ "هذه القضية معقدة وتحتاج إلى دراسة مختصة من قبل أخصائيين نفسيين تحدد الحالة وطريقة العلاج، للتخلص من هذه الظاهرة المرضية التي تؤدي بتدمير أكثر حيوات ومستقبل الأطفال الذين يمرون بهذه التجربة الأليمة".
عقوبات القانون العراقي
وعلى الصعيد القانوني، يرى الخبير في هذا الشأن علي التميمي، خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "جريمة الاغتصاب أو كما تسمى في علم النفس الجنائي (البيدوفيليا)، أي اشتهاء الصغار لا يقتصر أثرها على الصغير مرحليًا، بل يمتد إلى العمر البعيد وهي جريمة سرية قد تكون أو ترتكب من أشخاص يعملون بالقرب من الأطفال وأسبابها نفسية فيسيولوجية على الجناة".
ووفقًا لحديث الخبير القانوني، فإنّ المادة 393 من قانون العقوبات، عاقبت في الفقرة 2 بالظروف المشددة فوق المؤبد أي "الإعدام على اغتصاب الأطفال المقترن بالقتل".
ويضيف التميمي، أنّ "كثرة جرائم اغتصاب الأطفال مرض ويحتاج إلى تسليط إعلامي مكثف لأن ما يكشف ويعلن عنه أقل كثيرًا مما هو مخفي ومستور من هذا النوع من الجرائم".
وعاقبت المادة أعلاه على جريمة الموقعة (الحادث) بالسجن المؤبد أو المؤقت، وبذلك تعد جريمة اغتصاب جناية، كما يعتبر ظرفًا مشددًا، إذا وقع الفعل في أحدى الحالات التالية:
- أولًا: إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ 18 سنة كاملة.
- ثانيًا: إذا كان الجاني من أقارب المجنى عليه إلى الدرجة الثالثة أو كان من المتولين تربيته أو ملاحظته، أو ممن له سلطة عليه أو كان خادمًا عنده أو عند أحد ممن تقدم ذكرهم.
- ثالثًا: إذا كان الفاعل من الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة أو من رجال الدين والأطباء واستغل مركزه أو مهنته أو الثقة به.
- رابعًا: إذا ساهم في ارتكاب الفعل شخصان، فأكثر وتعاونوا في التغلب على مقاومة المجنى عليه أو تعاقبوا على ارتكاب الفعل.
- خامسًا: إذا أصيب المجني عليه بمرض تناسلي نتيجة ارتكاب الفعل.
- سادسًا: إذا حملت المجنى عليها أو أزالت بكارتها نتيجة الفعل.
- سابعًا: إذا أفضى الفعل إلى موت المجنى عليه كانت العقوبة السجن المؤبد.
- ثامنًا: إذا كانت المجني عليها بكرًا، فعلى المحكمة أن تحكم لها بتعويض مناسب.
وفي منتصف أيار/مايو الجاري، أصدر القضاء العراقي أحكام الإعدام والسجن، بحقق عدد من مغتصبي الأطفال، فيما كُشف وقتها عن تأكيدات عن وجود العشرات من القضايا الخاصة بهذا النوع من الجرائم.