الترا عراق - فريق التحرير
بعد غزو الجيش الأمريكي للعاصمة العراقيّة بغداد في نيسان/أبريل عام 2003، كان أوّل ما فكّر به المخرج السينمائي العراقي عدي رشيد هو إنتاج فيلم سينمائي بعد أن عاش العراق طويلًا بسبب الحصار الاقتصادي الدولي على البلاد فضلًا عن التعبوية التي يفرضها النظام الدكتاتوري على الفن، من دون إنتاج أيّ أفلام سينمائية.
وقد ذهب عدي رشيد مع مجموعة من زملائه للبحث عن أدوات من أجل إنتاج فيلم روائي طويل يوثّق لحظة الاحتلال التي زرعت الحيرة في نفوس العراقيين، وجعلتهم يتساءلون عن مستقبلهم في ظلّ الفوضى التي خلّفها الاحتلال بعد أن أزاح الدكتاتور العراقي بالقوّة، لكن من دون أن يكون هناك أي مخطّط بديل.
لطالما عانى العراق سوء إدارة موارده، قبل الغزو الأمريكي وبعده، والسينما ليست بعيدة عن هذا المشهد
وقد وجد عدي رشيد أن العراق كان يمتلك بالفعل كاميرات سينمائية بالإضافة إلى أفلام خام، إلا أن وزارة الثقافة لم تعرف طرق تخزين هذه الأدوات، الأمر الذي عرّض الكثير منها للتلف والخراب، لكن رشيد وزملاءه آثروا المغامرة في استعمال هذه المواد من أجل إنتاج أول فيلم بعد احتلال البلاد.
ويدور الفيلم حول مخرج سينمائي يحاول إنتاج فيلم بمواد منتهية الصلاحية، وبعد أن ينجح الكادر البسيط المتكوّن من مصوّر ومساعد صوت في استعمال المواد السينمائية المنتهية الصلاحية، يقع المخرج في مطب الحكاية، فما الذي يصوّره والبلاد كلّها خراب؟
اقرأ/ي أيضًا: فيلم فرنسي مستقل يثير جدلًا واسعًا قبيل الانتخابات
حوار داخلي للمخرج يظلّ يعتمد الفيلم عليه للإمساك بالحبكة، وقصص عديدة ومصائر متداخلة. أسئلة عميقة تتحدّث عن مرحلة الدكتاتورية، وإدانة للاحتلال وما الذي فعله بالبلاد.ينقل الفيلم حيرة العراقيين من كل طبقات بعد زالزال احتلال بغداد.
وقد شارك "غير صالح" في العديد من المهرجانات العربيّة والدوليّة، وعدَّ مُفتتحًا لعودة السينما إلى العراق الذي ظل يعاني فقرًا في إنتاج الأفلام طوال تاريخه الحديث. وعلى العكس من زملائه من المخرجين العراقيين الذين يحتفظون بأفلامهم بعيدًا عن مواقع الإنترنت، فإن عدي رشيد سمح بأن يكون فيلم "غير صالح" متاحًا "أونلاين" على موقع "فيمو" المختص بالفيديو، على الرابط التالي:
وفي رصيد عدي رشيد فيلم سينمائي آخر، وقد جرت ظروف تصويره في بيئة مكتظّة بالموت، إذ بدأ تصويره عام 2006 في ظلّ اقتتال طائفي حصد مئات الآلاف من العراقيين، فضلًا عن تحوّل مناطق بغداد إلى أماكن نزاع بين المجاميع المسلحة من الشيعة والسنّة. وتدور أحداث "كرنتينا" حول قاتل مأجور. واستعار رشيد الاسم من تسمية عثمانية لمكان كان يحتجز به المرضى النفسيون الذين لا أمل لهم بالشفاء من أمراضهم.
يعمل عدي رشيد الآن على تحويل رواية "يا مريم" للكاتب العراقي سنان أنطوان إلى فيلم روائي
وتبدو أحداث الفيلم مركبة أيضًا إذ لا تقتصر على القاتل المأجور بطل الفيلم، وإنما تتعدّى إلى علاقة المرأة بالرجل في ظل المجتمع العراقي الذكوري، وكيف تقع المرأة ضحيّة الزوج الذي يستمّر بتعنيفها، والعشيق الذي يستمر بتحقيرها.
وقد حصد "كرنتينا" عدة جوائز عربية ودولية، وتتاح مشاهدته الآن عبر الرابط التالي:
ويعد عدي رشيد أحد أبرز المخرجين العراقيين الذين برزوا في العقد الأخير، وقام ساهم إلى جانب آخرين من السينمائيين الشباب بتأسيس المركز العراقي للفيلم المستقل الذي يحرص على إنتاج أفلام قصيرة وروائية للمخرجين الشباب، كما يحرص على إنشاء جيل جديد من صنّاع السينما من خلال الدورات التي يقوم بها المركز على مدار العام.
ويقيم عدي رشيد منذ سنوات في مدينة نيويورك الأمريكية، حيث يعمل الآن على تحويل رواية "يا مريم" للكاتب العراقي سنان أنطوان إلى فيلم روائي يتقصّى من خلاله واقع الأقلية المسيحية في العراق وما عانته من أزمة هويّة وقمع بعد غزو العراق.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Fences".. لعبة البيسبول الثقيلة
الإنسانية المأزومة بين ميلر وفرهادي