الترا عراق - فريق التحرير
تستنهض "فضائح التعذيب" في السجون ومراكز الاحتجاز الحديث عن هذا الملف "المرعب" في ظل تقارير دولية المثيرة للقلق مقابل عجز القضاء ومنظمات حقوق الإنسان وحتى رجال العشائر، عن وضع حد لتلك "الحفلات"، بعيدًا عن التجارب العالمية في التحقيق واستخدام علم النفس وأساليب الحوار وإثارة العواطف، حيث يصر المحققون على الطرق الوحشية بل ويتفننون بها.
يقع أي معتقل في العراق ضحية التعذيب بدءًا من الصفع صعودًا إلى الصعق والإيهام بالغرق في محاولة لانتزاع الاعترافات بشكل سريع
يقع أي متهم مهما كانت القضية تحت التعذيب بدءًا بالصفع وليس انتهاءً بالصعق والإيهام بالغرق، فيما يكون حجم التعذيب ونتائج التحقيق مرهونًا بالطرف الذي يمكنه دفع أكبر قدر من الرشاوى سواءً كان جانيًا أو مجنيًا عليه. وعلى الرغم من مرور 16 عامًا على تغيير نظام يصنف من بين أكثر الأنظمة وحشيةً وقمعًا، ما تزال أساليبه حية، ولا يهم أن يكون المعتقل متهمًا بجنحة أو جناية ولا يشكل حجم الأدلة شيئًا أو تشعب دوائر الاتهام، حيث ينظر إليه "كصيد يرفع من نسب الإنجاز"، كما تشير شهادات معتقلين تعرضوا للتعذيب ومصادر مطلعة.
ضعف الأدوات.. سرعة الإنجاز
تصطف على رفوف مراكز الشرطة وأقسام مكافحة الإجرام عشرات القضايا المتنوعة، فيما تتطلب السياقات الإدارية السرعة في حسمها حتى تلك التي يصعب إنجازها وتفتح بين فترة وأخرى، فيما يعمد فريق التحقيق إلى حسم القضية والانتقال لأخرى لضمان رضا الجهات العليا، على حساب المهنية والعدالة بحسب مختصين، فيعمدون إلى استخدام التعذيب والترهيب لانتزاع الاعترافات والتي يكون كثير منها خوفًا، فما يدفع ذوو المجني عليهم رشاوى إلى الضباط حرصًا على عدم تسويف القضية واكتشاف الجاني، وهو ما يلهب حماسة أولئك الضباط لانتزاع الاعترافات بأي طريقة كانت حتى لو كانت تؤدي إلى موت بريء أو سجنه لسنوات طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: "الشواية" وصعق "العضو الذكري".. فضيحة تعذيب جديدة في سجون السلطة تثيرها النجف!
يكاد يتلاشى دور القضاة في الوقوف على تفاصيل التحقيق ومعرفة الطريقة التي انتزعت بها الاعترافات من المهتم خاصة وأن المحققين يجيدون إخفاء آثار التعذيب فلا يكشف التقرير الطبي أية دليل، وتعصب عيون المتهم لمنع معرفة المحقق وملاحقته عشائريًا. ويشير مطلعون إلى أن معظم القضايا يوجد فيها طرف مستضعف، من يصل أولًا إلى فريق التحقيق ويملك المال يكسب الرهان.
يقول ضابط في وزارة الداخلية، إن "التعذيب في السجون العراقية موجود قبل وبعد 2003، بالرغم من انخفاضه لكنه بذات الأساليب"، مبينًا في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "سجون وزارة الداخلية تشهد مختلف أنواع التعذيب خاصة في أقسام مكافحة الإجرام والاستخبارات".
يضيف الضابط الذي طلب عدم كشف اسمه لحساسية إفادته، أن "السبب الرئيسي وراء التعذيب هو محاولة حسم القضية بأسرع وقت، وهو بديل فاشل لضعف الجهد الاستخباري والتحقيقي في جمع الأدلة ومواجهة المتهم بها قبل الخوض في التحقيق، خاصةً وأن الأدلة العينية يصعب الحصول عليها بسبب طبيعة المجتمع، فضلًا عن تأرجح ثقة القضاة بالأدلة الرقمية".
وعلى الرغم من أن موقف القضاء واضح وصريح برفض التعذيب باعتباره مخالفًا بشكل صارخ للقانون، واستعداد أكثر القضاة إلى فتح تحقيق في حال اكتشاف آثار تعذيب، لكن "تحايل" ضباط التحقيق يحول دون كشف معظم تلك الحالات، كما يشير الضابط في وزارة الداخلية، من "خلال الضرب بأماكن لا تترك آثرًا فيما يكون وقعها قويًا ومؤذيًا للغاية"، فيما يوضح أن "القاضي في حالات محدودة يعطي الضوء الأخضر بالتعذيب ويغض النظر، خاصةً إذا كان المتهم مستضعفًا لا يتحدث ولا يجد من يطالب بحقه".
يبين الضابط أيضًا، أن "عوائل الجاني والمجني عليه يخوضون حِراك للتنسيق مع الضباط في لحسم القضية، أو على الأقل تخفيف أو تشديد التعذيب من خلال تقديم الرشى لهم، فيما يكون المحامي عراب هذه الاتفاقات".
موت بطيء!
قد يبدو الأمر غريبًا عند الحديث عن أنواع وطرق التعذيب في السجون، خاصة في قضايا بسيطة لا تتجاوز السرقات، لكنها موجودة فعلًا وفق شهادات معتقلين سابقين ومن أبرزها "الفلقة، الإيهام بالغرق، الصعق بالكهرباء، وغيرها".
يلجأ المحققون في مراكز الاعتقال إلى أساليب تعذيب يمكن إخفاء آثرها لضمان عدم افتضاحهم أمام القضاء من بينها "الفلقة والصعق بالكهرباء بطريقة خاصة"
يروي محمد كامل وهو اسم وهمي لشاب، تجربته في مركز احتجاز تابع لمديرية مكافحة الإجرام في واحدة من محافظات البلاد الجنوبية. يقول لـ "الترا عراق"،: "قبل نحو سنة قتل شاب بظروف غامضة وبطريقة بشعة لم تعهدها مدينتنا، وبعد ساعات اعتقلت الشرطة آخر من التقى بهم المجني عليه، وأنا أحدهم حيث جمعنا لقاء سريع للاتفاق على تعامل تجاري، لكنه كان كفيلًا بخسارتي 20 ألف دولار خلال 4 أيام ضمنت خروجي من السجن، لكن على نقالة إسعاف".
يستذكر الشاب تلك اللحظات بمرارة ويواصل حديثه، حيث كان معتقلًا إلى جانب ثلاثة متهمين آخرين عزلوا عن بعضهم، فيما تولى الضباط نقل اعترافات وهمية من شخص لآخر للإيقاع بأحدهم وانتزاع اعتراف سريع منه، بحسبه، مضيفًا: "أخبرني المحقق وأنا معصوب العينين بأن كل الأدلة ضدي وهناك شهود والإنكار لا ينفع، لكن الحديث لم يدم أكثر من 20 دقيقة، حتى قال: أنت مو مال احترام. ثم خرج وسارع شخصان إلى تعليقي بمكان المروحة السقفية لمدة 4 ساعات، قبل أن تبدأ جولة ثانية من التحقيق لم أعترف فيها بشيء فجاء دور ضرب الفلقة بشكل هستيري، ثم أنواع أخرى من التعذيب على مدى يومين لاحقين".
لكن كامل كان "محظوظًا"، على حد تعبيره، فقد تمكنت أسرته من الوصول إلى ضابط التحقيق بمساعدة محامٍ ودفعوا له مبلغًا ماليًا ضخمًا، يعادل 24 مليون دينار، وهو ما أبعد عنه شبح التعذيب وجعله يحظى بمعاملة جيدة، حتى تم اكتشاف مرتكب الجريمة بمساعدة ذوي المجني عليه.
أساليب تعذيب "محترفة"!
يكشف الضابط في وزارة الداخلية لـ "الترا عراق"، عن أنواع التعذيب المستخدمة في السجون، ومن أبرزها وأكثرها شيوعًا ولا تخلو منها معتقلات مكافحة إجرام أو مديرية استخبارات، هي: "الفلقة، الايهام بالغرق، والصعق بالكهرباء، الكيس"، لافتًا إلى أن "التعذيب يبدأ خلال الدقائق الأولى من الاعتقال بعد رفض المتهم الاعتراف ويستمر حتى وقت مناسب يسبق موعد عرضه على القاضي لإخفاء آثار التعذيب".
كما يبين، أن أشهر طرق التعذيب هي "الفلقة وتتم بواسطة قطعتين خشبيتين تربط عليهما ساقا المتهم، وترفعا عموديًا ليتم ضرب المتهم بخرطوم مرن نحو 15 ضربة على باطن القدمين، ثم يُجبر على الوقوف والقفز حتى يعاود الدم الحركة في منطقة الضرب لتختفي الآثار"، مشيرًا إلى أن "الصعق بالكهرباء يتم بواسطة شحنات تعطي كهرباء أقل من 022 فولت تسبب صوت وصعقة قوية دون أن تترك أي آثر".
يقول الضابط أيضًا، أن "التعذيب بواسطة الكرسي الكهربائي هو أحد أساليب التعذيب المتبعة كذلك، حيث يتم تقيد المتهم على كرسي حديدي مربوط بسلكين إلى مصدر للتيار الكهرباء وتبدأ عمليات الصعق بشكل متقطع، فضلًا عن التعليق بربط اليدين بحبال ورفع المتهم بكتلة حديدية مثبتة بالجدران ليكون بوضع عكسي"، فيما يوضح أن "الإيهام بالغرق هو أحد الأساليب المتبعة، برفع وجه المتهم وتغطيته بقطعة قماش سميكة ومن ثم سكب الماء بشكل قوي ومتواصل حتى يصاب بحالة ذعر واختناق".
اقرأ/ي أيضًا: حقوق الإنسان تؤشر على انتهاكات جسيمة في بعض سجون العراق
يضيف الضابط، أن "هناك طريقة أخرى للتعذيب، هي الخنق بواسطة الكيس، بتغطية رأس المتهم ووجهه بكيس محكم بعد إفراغه من الهواء وتستمر بحسب الحالة الصحية للمتهم"، مبينًا أن "الكثير من المحققين يجهلون الوضع الحصي للمتهم، وعندما يخبرهم أنه مريض لا يصدقونه، فيما يعتبر الكثير منهم حسم القضية أمر يتعلق بالمهنية بعيدًا عن العدالة والحقيقة فكلما استمر المتهم في الإنكار يتحول الأمر إلى خصومة شخصية وتحد لانتزاع الاعتراف".
ماذا عن الأساليب الحديثة؟
وعلى الرغم من خوض أغلب ضباط التحقيق الكثير من الدورات خارج البلاد والتواصل مع أجهزة أمنية ذات خبرة في أساليب التحقيق، إلا أن الخبرات المكتسبة لا تطبق في معتقلات مكافحة الإجرام ومديريات الاستخبارت كما يقول الضابط، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية العالمية أو بعضها تستخدم "أساليب نفسية مع المتهم ويبدأ التحقيق من خلال مدخل عاطفي والحديث عن الأهل والعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى عرض صور أطفاله، وتقديم عروض بالمساعدة أمام القاضي وتخفيف الأحكام في حال الاعتراف بالحقيقة، فإيهام المتهم بالصداقة والمودة أمر ضروري خاصة عبر تقديم السجائر والطعام وغيرها".
"يمتنع" ضباط عن استخدام طرق التحقيق الحديثة والخبرات المكتسبة من الأجهزة الأمنية العالمية ومنها الأساليب النفسية و"لا يمكنهم الاستغناء" عن التعذيب!
يرى الضابط، أن "الأجهزة الأمنية لا يمكنها الاستغناء عن التعذيب"، لكنه يحدد عوامل يمكن أن تفضي إلى تجنب التعذيب ومنها "التوعية بعدم دخول مسرح الجريمة، وعدم رفع المجني عليه في حالة حوادث القتل قبل وصول فرق الأدلة الجنائية، بالإضافة إلى الحاجة لوجود قاعدة بيانات كاملة عن المواطنين تضم أسماءهم وبصماتهم"، كما يشدد أن "جميع دول العالم تشهد مساحات تمارس فيها الأعمال القذرة".
اقرأ/ي أيضًا:
بعد "التهديد والكذب".. شرطة النجف "تعتذر" عن تعذيب معتقل حتى الموت!
مع امتلاء السجون في العراق.. مخاوف من نشوء "أكاديميات جهادية" جديدة!