تنطلق الأسئلة تلو الأخرى عن أعداد العمالة الأجنبية في العراق، لكن دون أجوبة وإحصائيات دقيقة، إلى أن أطلق وزير العمل والشؤون الاجتماعية، معلومته في 26 تموز/يوليو، حيث أكد في مؤتمر صحفي مشترك مع الحكومة المحلية في محافظة ذي قار، أن "عدد تلك العمالة يزيد عما ذكرته منظمة العمل الدولية من بيانات بشأن وجود ٧٥٠ ألف عامل أجنبي بالبلد فقط".
بدأت ظاهرة وجود العامل الأجنبي تظهر في المجتمع العراقي بشكل ملحوظ، في المنزل والأسواق والشركات والمحلات
بدأت ظاهرة وجود العامل الأجنبي تظهر في المجتمع العراقي بشكل ملحوظ في تشغيل مدبرة منزل أجنبية لدى الأسرة العراقية ذات الدخل المرتفع، أو تلك التي تكون مضطرة لهذه الحالة حين لا تمتلك ربة الأسرة من يساعدها في تدبير شؤون بيتها أو رعاية طفل رضيع، أو مريض مقعد أحيانًا، وتارةً لأغراض الوجاهة الاجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا: وزير العمل: أكثر من 750 ألف عامل أجنبي في العراق
وانتقلت الظاهرة تدريجيًا إلى الأسواق المحلية، والمطاعم، والفنادق، وشركات البناء، آخرها شركات الإنتاج النفطي التي تتواجد في أغلب المحافظات الجنوبية، ساعدتها، وكما يرى مختصون، "عجز ومزاجية العامل العراقي"، وقدرة التحمل والصبر والالتزام، ترافقها تطوير للمهارات عجز عنها العامل العراقي في مجارات العامل الأجنبي، فيما تعمل أبرز الجنسيات في العراق من الخارج، هي السورية والسودانية والمصرية، وفي السنوات الأخيرة، انخفضت نسبة العرب، لصالح ارتفاع النسبة البنغالية.
الشغل الأسود
في بداية تواجد العمالة الأجنبية كانت الطريقة الأنسب هي الدخول للعراق عن طريق زيارة الأماكن الدينية، ومن بعدها الهروب وإيجاد مكان يحتويهم من غير أن يضطر للتسجيل بإحدى شركات التوظيف ليتم اعتماده رسميًا وتثبيت أوراقه الرسمية. اشتهرت الكثير من المطاعم والمحلات، وخصوصًا أصحاب الشركات التجارية ومذاخر الأدوية التي تمتلك مخازن كبيرة في توظيف العامل الأجنبي الذي يتميّز بـ"الأجر المنخفض، تحمّل الجهد، العمل لساعات طويلة، عدم التذمر"، وهذا ما يفضّله الكثير من أصحاب رأس المال على العامل العراقي، من دون أوراق رسمية، وفي مكانات تتسم بالظلم والعمل الكثير والعبودية والقسوة، مما اضطر الكثير من العمال الهروب لإيجاد مكان أنسب لهم والبعض منهم جاء مع عائلته.
مختصون أوضحوا لـ"ألترا عراق"، العمالة المستقدمة إلى البلاد، وهي على نوعين "الماهرة وغير الماهرة"، والماهرة مثل العمالة الطبية، من أطباء وممرضين، والتي تفيد القطاع الصحي، فضلًا عن الكفاءات التي تحتاجها فترة إعادة الإعمار.
أما العمالة غير الماهرة، فهم عمال الخدمات، والذين ينتشرون في المطاعم والفنادق والمحال، وحتى في المنازل، وتعود أسباب انتشار العمالة الأجنبية، بحسب مختصين إلى "تدني أجور العمالة الأجنبية، مقارنة بالعمالة العراقية (200 ـ 300) دولار شهريًا، بالإضافة إلى تواجد هذه العمالة في موقع قريب من العمل أو الموقع نفسه، ما يجنبها الحجج الكثيرة والمشاغل الاجتماعية للعمالة العراقية.
وتفضيل العمالة الأجنبية، يأتي أيضًا من "ارتفاع عدد ساعات عملها والتي تتراوح بين (12 ـ 14) ساعة، بحسب صاحب شركة، وتتميز بالطاعة لرب العمل واحترامه، وهذا ما يفضله أصحاب الأعمال هنا، لأسباب نفسية واجتماعية.
ويجري هذا الأمر في ظل غياب الكثير من القوانين في العراق، وخاصة قانون خاص بالعمالة الوافدة، وكحال الكثير من القوانين التي تشرع ولا تطبق، إذ أن سياسة المشرّع العراقي في تنظيم العمالة الوافدة واستقطابها قائمة بالاستناد إلى قانون العمل العراقي النافذ لسنة ٢٠١٥، فضلًا عن نصوص متفرقة في قوانين أخرى.
العمالة المستقدمة إلى البلاد، هي على نوعين "الماهرة وغير الماهرة"، والماهرة التي تفيد القطاع الصحي كمثال، وغير الماهرة هي عمل الخدمات
ورافقت تلك العوامل الحكومية، وبحسب قانونيين، "لا يوجد قانون مرن ورصين يعالج إقامة الأجانب، ولا يتحمل رب العمل مخالفات الإقامة، ولا يوجد في العراق نظام تصنيف للعمالة وحاجتها حسب الطلب والاختصاص".
التعليم المهني
الضعف واضح في مراكز التدريب والتأهيل المهني "التعليم المهني والمعاهد الفنية"، وينظر المجتمع العراقي إلى التعليم المهني بنظرة مجتمعية "دونية"، ويرى أن شهادة الدبلوم في التعليم المهني أقل شأنًا ووجاهةً من شهادة البكالوريوس.
اقرأ/ي أيضًا: الآلاف في الشوارع: "ثورات" أججها عبد المهدي بوجه حكومته.. كيف سيواجهها؟
تقدم المعاهد الفنية والإعداديات التجارية والصناعية مهارات عديدة منها: "الإعلام، الكهرباء، النجارة، والميكانيك.. الخ"، مهارات عديدة بإمكان العامل العراقي اكتسابها وتطويرها والعمل بها، بالإضافة إلى إكمال شهادة "البكالوريوس" والتدرج والاستمرار بالتعليم، التسلسل العملي والتدرج هو ما يفتقده العامل العراقي في العمل، الأمر الذي رآه مختصون أن مراكز التدريب المهني والمعاهد الفنية تحتاج الى التوعية، وبالأخص المراكز المختصة لتعليم الأيدي العاملة العراقية مهارات بإمكانهم منافسة العامل الأجنبي من حيث المهارة، لا سيما أصحاب المهن وخريجي الابتدائية والمتوسطة، حيث أغلب العاملين يزجون أنفسهم في أعمال خارجة عن إمكانياتهم، مما يتيح للعامل الأجنبي إزاحته بسهولة كبيرة.
كان صندوق النقد الدولي قد أعلن أن معدل البطالة لدى شريحة الشباب في العراق بلغت أكثر من 40%، مشيرًا إلى أن "معدل النساء اللواتي يقعن خارج القوى العاملة في العراق يبلغ قرابة 85%"، وهو الأمر الذي يعود إلى العادات الاجتماعية، بالإضافة إلى تراجع الاقتصاد الوطني في ما بعد الاحتلال الأمريكي.
ويذكر مصطفى ضيف الله، وهو خبير اقتصادي، أن "واحدة من السلبيات التي أبعدت شهادة المعاهد الفنية والإعداديات الصناعية والتجارية، حيث أن أغلب طلبات التوظيف لدى المؤسسات والدوائر الحكومية يشترط أن يحمل شهادة (البكالوريوس، الدكتوراه، الماستر)، مبينًا "لا يذكرون أبدًا الشهادات الفنية أو شهادات مهنية، مثل "سياقة، زراعة، سياحة، علوم تجارية، ميكانيك، كهرباء، أجهزة، تمريض).
ويعزو ضيف الله سبب عزوف الناس من الانخراط بالمعاهد الفنية والمهنية هي "النظرة السلبية لتلك المهن، كون أن أغلب أصحاب الشهادات لا يستطيعون إعانة أنفسهم".
فيما يؤكد لـ"ألترا عراق"، أن "الاختلاط بين العامل الأجنبي والعامل العراقي في بعض الشركات، مجمع بسماية أنموذجًا، أفاد كثيرًا العامل العراقي حيث اكتسب الأخير الكثير من الخبرات والممارسة الفعلية وأصبح الاعتماد عليه حاليًا في بعض المهام التي كانت توكل سابقًا إلى عامل كوري أو عامل أجنبي آخر".
القوة الماهرة
وسجلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خلال عامي 2017 و2018 وجود أكثر من 100 ألف عامل أجنبي دخلوا ساحة العمل العراقية بشكل قانوني، مقابل 13 ألف عامل عراقي. إزاء ذلك، ارتفع عدد العاطلين من العمل في العراق، فوصلت نسبتهم، وفق الجهاز المركزي للإحصاء، خلال عام 2018 إلى 22.6 في المئة"، بحسب تقرير صحافي.
سجلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خلال عامي 2017 و2018 وجود أكثر من 100 ألف عامل أجنبي دخلوا ساحة العمل العراقية بشكل قانوني، مقابل 13 ألف عامل عراقي
قال التقرير إن "السبب في استقدام العمالة الوافدة إلى العديد من العوامل الأخرى، وفي مقدمتها أن القوة الماهرة من هـذه العمالة تشكل خبرات متراكمة وجاهزة للاستخدام يصعب الاستغناء عنها سريعًا، حيث يتطلب استبدالها وقتًا وجهدًا وتمويلًا كبيرًا لعدم امتلاك العمالة الوطنية تلك الإمكانات والخبرات".
شركات الإنتاج والاستثمار بين نارين
تارةً تفرض الوزارة عدد العمالة الأجنبية في كل شركة، ومرةً أخرى تفرض مجالس المحافظات عدد العمالة الأجنبية والعراقية في كل منها، وتتضارب المصالح وتتهافت عليها من يسيطر على تلك المحافظة سواء كان من سيطرة الأحزاب أو سيطرة العشائر، مصادر محلية من تلك المحافظات تؤكد لـ"ألترا عراق"، أن "أغلب شركات الإنتاج نسبة العامل الأجنبي لديها هي ٩٠ ٪".
اقرأ/ي أيضًا: عمّال يهتفون لـ"صدام حسين".. البطالة تفتح النار على الفشل الحكومي!
ويرى بعض الموظفين في تلك الشركات رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب تتعلق بوظائفهم، أن "النسب متفاوتة، لكن الأغلب هي للعامل الأجنبي ومن أهم الأسباب وجود الكثير من المشاكل التي تصاحب العامل العراقي، وبنفس الوقت تفضل شركات الإنتاج عمالها ذات الخبرة والسنين الطويلة وأبناء البلد الأم".
لفت الخبير الاقتصادي ضيف الله إلى أن "إحدى الشركات، وهي شركة بتروجاينا التي كان لديها مدرج خاص للطائرات التي تحمل العامل الأجنبي من دون علم الحكومة العراقية، ما سببت ضجة كبيرة بعد الضغط من قبل الأحزاب التي تسيطر على المنطقة، وبعد التحقيق والتقصي وصرف الأموال للتغطية، والمخاوف التي تصاحب تلك العمليات من أمنية واقتصادية، ليصبح المدرج بعد ذلك مصاحبًا بأصول رسمية وافتتاح وهمي أمام الإعلام للتغطية على عمليات شركة بتروجاينا السابقة".
شركات الإنتاج النفطية وسطوة أبناء العشائر
يشير يوسف داوود، موظف سابق في شركات الإنتاج النفطية، في محافظة البصرة، إلى "عدم وجود استقراء حقيقي لوضع الشركات في البصرة في مجال التوظيف، مبينًا "لا توجد نسبة حقيقية لمعرفة أيهما أكثر، العامل الأجنبي أم العامل العراقي، وتفضل الشركات الإنتاجية دائمًا العامل الأجنبي لعدة أسباب، منها عدم توفر المهارات والاختصاصات الكافية لدى العامل العراقي"، لافتًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أن "العامل العراقي في المجال النفطي حديث العهد وليس صاحب خبرة، ولم يتمكن العامل العراقي أن ينافس كافة الاختصاصات".
أضاف داود، أن "هنالك نوعين من المنافسة، الشركات الأجنبية والشركات العراقية، حيث تعتمد الشركات الأجنبية على المهارة والمؤهلات والخبرة والشهادات، بينما تعتمد الشركات العراقية على المحسوبية والوساطة حتى في شركات ومكاتب التوظيف"، مضيفًا أن "أغلب الشركات العراقية يسيطر عليها أبناء المنطقة ذاتها، بالأخص في منطقة القرنة والمدينة التي تتواجد فيها تلك الشركات، ناهيك عن مدراء تلك الشركات يفضلون جلب أبناء جلدتهم من أي مكان يأتون منه، حيث تعتبر تلك المناطق تابعة لعشائر معينة تحت تهديد السلاح".
مصدر لـ"ألترا عراق": الفاو تسيطر عليها إحدى العوائل الكبيرة التي تتمتع بنفوذ واسع، حيث يمنع دخول أو خروج أي موظف أو شركة إلا بأذنها
أوضح أن "الفوارق كثيرة بين العامل الأجنبي والعامل العراقي من بينها أن العامل الأجنبي يعمل بنظام البديل والـ rotation حيث باستطاعة العامل الأجنبي قضاء شهرين في مكان العمل مقابل شهر واحد للاستراحة"ً، مبينًا أن "العامل العراقي إنتاجيته أقل، حيث يمتلك العديد من المناسبات الدينية والعطل والأعذار التي تجعله متأخرًا عن المنافسة".
اقرأ/ي أيضًا: الخريجون الذين تحولوا إلى دعاية انتخابية.. قصة البطالة العراقية مع "عطية"
بينما يرى مهندس في إحدى الشركات التي تعمل في منطقة الفاو، رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، أن "الفاو تسيطر عليها إحدى العوائل الكبيرة التي تتمتع بنفوذ واسع، حيث يمنع دخول أو خروج أي موظف أو شركة إلا بأذنها"، مبينًا لـ"ألترا عراق"، أن "الكثير من الشركات الأجنبية لم توافق على شروط تلك العائلة واضطرت للخروج من المنطقة والانسحاب، إضافة إلى تلك الشركات التي توقفت عن العمل أثناء تنفيذ المشروع بسبب سياسات تلك العائلة".
ويرى مختصون وخبراء، أنه لا يوجد قوانين تدعم العامل العراقي، من حيث ساعات العمل، وحقوقه المسلوبة قهرًا، لذلك يجب أن ننظر بخلاصة الموضوع على أنها أشياء حتمية وهي الاستمرار، ومجاراة الظروف والتطورات التي تطرأ على البلد، ومنها أن العامل العراقي يجب أن يكون مستعدًا لمواكبة عصره، ومنافسًا شرسًا في تطوير مهاراته بالعمل مع العمالة الأجنبية والاستفادة منها، فضلًا عن تطوير وتوعية المجتمع بأهمية التعليم المهني.
اقرأ/ي أيضًا:
قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!