في حدث أول من نوعه، يقدم متحف ومكتبة "مورغان" في نيويورك معرضًا خاصًا حول المرأة في العراق القديم، بعنوان "هي التي كتبت"، الذي يحاكي عبارة "هو الذي رأى" في مستهلّ ملحمة كلكامش.
وقع الاختيار على "إنخيدوانا" كشخصية محورية للعرض الذي سيقام في مدينة نيويورك الأمريكية
ويستعرض الحدث الضخم على مدى أكثر من 3 أشهر بدءًا من العاشر من أيلول/سبتمبر المقبل حتى السادس عشر من كانون الثاني/ديسمبر، دور المرأة في تاريخ العراق القديم من الألف الرابع والثالث قبل الميلاد، كما يشير منسقا المعرض "سيدني بابكوك" و"إيرهان تامور".
واعتمد ظهور الحياة الحضرية في تلك المجتمعات المبكرة المعقدة بشكل كبير، على عمل النساء كعاملات ماهرات أنتجن المنسوجات والفخار والسلع الزراعية المختلفة.
"إنخيدوانا".. أول شاعرة في التاريخ
ووقع اختيار المنسقان على "إنخيدوانا"، كشخصية محورية في المعرض، الذي ينطلق بإلقاء نظرة عامة على النساء من أقدم مدن بلاد ما بين النهرين التي تأسست حوالي 3500 قبل الميلاد، حيث تم اختراع الكتابة وتشكيل مراكز العبادة الرئيسية.
وتعد "إنخيدوانا" أو"إن-هيدو-انا"، وتعنى "الكاهنة العليا، زينة السماء"، أول شاعرة في التاريخ (2334 - 2279 ق.م)، وقد لعبت دورًا سياسيًا بارزًا في زمن حكم والدها الملك سرجون الأكدي، الذي عينها في منصب الكاهنة الأعلى.
اقرأ/ي أيضًا: نصوص مدهشة.. ماذا تعرف عن عمالة الأطفال في الحضارة السومرية؟
واستمرت "إنخيدوانا" في منصبها أيضًا خلال عهد أخيها الملك "ريموش"، لكنها تورطت في بعض حركات التمرد ضده وطردت من منصبها ثم سرعان ما عادت إليه في عهد حكم الملك "نرام سين" ابن أخيها، وكان لها دور في إقناع الجنوب السومري بإعادة حكم الأكاديين مرة أخرى.
وعرفت شخصية "إنخيدوانا"، لأول مرة، من خلال قرص وجد في مدينة أور الأثرية يحمل اسمها، من قبل البعثة البريطانية بقيادة السير "ليوناردو ولي"، ثم عثر لاحقًا على ترانيمها بين آثار المعابد "إريدو" و"سيبار" و"إشنونة"، حيث صفها الدكتور "وليم هالو" بـ "شكسبير الأدب السومري".
ألفت "إنخيدوانا" 42 ترنيمة، أعيد إنشاؤها من 37 لوحًا طينيًا، وقد ترجمت أعمالها نثرًا من قبل خبراء اللغات القديمة في جامعة بركيلي بكاليفورنيا، قبل أنّ تصاغ الترجمة شعرًا إلى الإنجليزية على يد الباحثة في آداب بلاد الرافدين "بيتي دي شونغ ميدر".
عُرفت شخصية "إنخيدوانا" لأول مرة من خلال قرص وجد في مدينة أور الأثرية
وفي عام 1983 قام العالم "صموئيل نوح كريمر" والشاعرة "ديان وولكستين" بترجمة أعمالها وجمعها في سرد موحد نشر تحت عنوان (إنانا، ملكة السماء والأرض: قصصها وتراتيلها من سومر) من قبل دار "هاربر بيرنيال".
"الأمومة.. الخلق والرعاية"
وصفت "إنخيدوانا" نفسها كأم في قصيدتها "تمجيد إنانا"، حيث يتسع مفهوم الأمومة في العراق القديم إلى ما هو أبعد من الأمومة البيولوجية، بسبب إدراك الدور والرعاية التي تقدمها الممرضات والقابلات والأمهات والمرضعات على حد سواء.
ووفقًا للنصوص القديمة، جسدت "نينهورساج"، الإلهة الأم في بلاد ما بين النهرين، كلّ هذه الصيغ المختلفة من الأمومة من خلال إعطائها الهيئة الخاصة لأجساد الملوك أثناء الحمل والمساعدة في ولادتهم، والعمل كقابلة أثناء ولادتهم، إلى الحد الذي ادعى فيه الملك "إناتوم" ملك لكش (حوالي 2450 قبل الميلاد) أنه قد تغذى بحليب "نينهورساج المقدس"، وشعر بالفخر من خلال هذه الرابطة الشديدة القوة بينه وبين مرضعته الإلهية.
وتشهد الصور المنحوتة في كل من "سومر" و"أكد"، على العديد من شخصيات الأمومة التي توجد في حياة الطفل.
المرأة في العراق القديم: آلهة وأم وملكة وكاهنة
ويصف عالم الآثار العراقي الراحل بهنام أبو الصوف، دور المرأة في العراق القديم، من خلال دراسته المطولة، بكونها أول من ابتكرت الزراعة ودجّنت الحيوانات، كما أنّ بواكير العقيدة الدينية الأولى في العراق كانت بصيغة عبادة "الأنثى - الأم"، حيث صور فلاحو العراق القديم الأرض بهيئة المرأة وهي في حالة الحمل.
ويقول أبو الصوف، إنّ من النساء اللواتي خلدهن العراق القديم المغنية "أور-نانشي" أو "أورنينا"، وهي موسيقية سومرية (2000 ق.م)، ترجم لها "صموئيل نوح كريمر" أغنية "أيها العريس الحبيب إلى قلبي"، والملكة "كوبابا"، أول امرأة حكمت في تاريخ العراق القديم (2500 - 2330 ق.م)، حيث ورد اسمها في قائمة الملوك السومريين في مملكة مدينة "كيش"، وخلفها على الحكم ابنها "بوزور سوين" ثم حفيدها "أور زبابا".
كما تضم القائمة، الملكة "بوابي" المعروفة باسم "شبعاد" زوجة الملك "آبار كي أحد"، من سلالة أور الأولى في فترة حوالي (2500 ق.م)، والتي كشفت البعثة البريطانية خلال عشرينيات القرن الماضي عن مدفنها وهي بكامل الزينة، فضلاً عن الملكة الآشورية "سميراميس" أو "سميراميدا" وتعني "محبوبة العالم"، التي كانت زوجة للملك الآشوري "شمشي أدد" الخامس (822-811 ق.م)، حيث حكمت كوصية على العرش بعد وفاة زوجها حتى بلغ ابنها "أدد نيراري الثالث" السنّ القانونية.
يوصف دور المرأة في العراق القديم بكونها أول من ابتكرت الزراعة ودجّنت الحيوانات
وخلّد تاريخ العراق القديم أيضًا، "صانعة الملوك" الملكة "زكوتو النقية" (705 - 681 ق.م)، وهي زوجة الملك "سنحاريب" خلال ولايته للعهد .
"نساء الملحمة"
وللمرأة دور كبير ومحوري في ملحمة العراق الخالدة "كلكامش"، إذ يقدم البرفسور "إيدوارد غرينستاين" من جامعة جامعة "بار إيلان"، رؤية مغايرة للملحمة من خلال الاعتماد على ثنائية المطبوخ والنيء للأنثروبولوجي "كلود ليفي شيتراوس".
ويرى الباحث، أنّ شخصية "إنكيدو" كانت تمثل النيء الذي يقابل الطبيعة، في حين أنّ شخصية "كلكامش" الملك تمثل المطبوخ في إشارة إلى الحضارة، وإنّ عملية تحول "إنكيدو" من الطبيعة إلى الحضارة ما كانت لتتم إلاّ عبر المرأة البغي المعروف بـ "شمحات" أو "شمخات" بمعنى "الفاتنة".
كما يشير، إلى الدور الكبير الذي قامت به الإلهة "ننسون" أم "كلكامش"، وكذلك المرأة "سيدوري" صاحبة الحانة التي عرّفت "كلكامش" بالطريق الذي يجب عليه سلوكه ليصل إلى هدفه.
وبالعودة إلى الحدث المرتقب في نيويوك، فمن المفترض أنّ يعاد العرض نهاية العام 2022، وفق موقع متحف ومكتبة "مورغان".
اقرأ/ي أيضًا: