تعيش المدن الجنوبية في العراق فترة من الانتعاش للجانب السياحي والإقبال على زيارة المدن والأماكن الأثرية، حيث وبحسب بيانات رسمية، باتت الفنادق لا تتسع لعدد القادمين من خارج المحافظة، وهو ما يؤشر إلى تأثيرات زيارة البابا في آذار/مارس الماضي إلى مدينة أور .
وصل الرحالة والمدوّن الياباني داو كاكاو عبر دراجته الهوائية إلى ذي قار عبر دراجة هوائية بعد زيارة 50 دولة في العالم
ووصل مؤخرًا إلى مركز مدينة الناصرية، الرحالة والمدون الياباني "داو كاكو"، عبر دراجته الهوائية بعد مروره بمحافظتي بغداد وكربلاء، ومن قبلها 50 دولة حول العالم للتعرف على الحضارات المختلفة التي كان يسمع عنها، بحسب مسؤولين التقوا بالرحالة.
اقرأ/ي أيضًا: مواطن عراقي يتبرع ببناء مدينة مصغرة بالقرب من أور
وأعلنت مديرية شرطة ذي قار، وصول الرحالة كاكو، حيث قال مدير إعلام قيادة الشرطة، العميد فؤاد كريم، إن "الرحالة الياباني قد دوّن كل صغيرة وكبيرة شاهدها خلال تجواله لنقلها إلى الشعب الياباني".
وأشار كريم إلى أن "شرطة ذي قار عملت على توفير الحماية الأمنية اللازمة للرحالة الياباني منذ دخوله الحدود الإدارية للمحافظة، لحين إكمال مسيره باتجاه محافظات أخرى".
من جهته، قال مدير العلاقات والإعلام بقيادة شرطة كربلاء، المقدم إحسان الأسدي، أن "الرحالة الياباني كان قد زار المحافظة خلال الأسبوع الماضي عبر دراجته الهوائية، لافتًا إلى أن "كاكو حظي باهتمام بالغ وترحيب كبير من قبل إدارة العتبة الحسينية، فضلًا عن توفير الضيافة الكاملة له خلال زيارته للمحافظة وتجوله بكل حرية في المناطق كما كان يريد وبشكل طبيعي ودون أي مضايقات له".
وأضاف الأسدي، أنه "وبحسب الرحالة، فهو يهدف لزيارة عدد من المتاحف التابعة للعتبات الدينية والأثرية أيضًا للاطلاع عليها ومعرفة الإرث التاريخي المعروض والمخزون، موكدًا أنه "تفاجأ بكرم الضيافة والسخاء الذي يتمتع به الشعب العراقي، كما سيستمر بقصد المزيد من المحافظات"، على حد قوله.
وتشهد محافظة كربلاء، على مدى أيام السنة مناسبات دينية عدة، تستقطب ملايين السياح من مختلف دول العالم، فضلًا عن القاصدين لها من داخل البلاد كبقعة سياحية ودينية لتأدية الطقوس الخاصة بالطائفة الشيعية.
يشار إلى أن مجلس الوزراء قد قرر في جلسته بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تخويل وزارة السياحة لدعوة شركات استثمارية رصينة لتأهيل الفنادق السياحية المهملة في المحافظات مثل النجف وبابل ونينوى، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم المجلس، الذي أكد أن "الحركة السياحية في محافظات العراق وعدم كفاية الفنادق لاستقبال السائحين دفعت باتجاه الاهتمام بهذا الجانب بشكل عاجل".
بالمقابل، قال مدير آثار وتراث ذي قار، عامر عبد الرزاق، إن "الحركة السياحية والإقبال على زيارة الأماكن الأثرية له مواسم مناسبة، والآن تعتبر هذه الفترة جيدة بالنسبة للسياح وصولًا إلى شهر نيسان/أبريل المقبل، مبينًا أن "السياح يقبلون على محافظة ذي قار لمشاهدة منبع الحضارة السومرية المتمثلة بمدينة أور والزقورة التاريخية كأول مدرج في تاريخ الإنسان حول العالم، وقصر شروكين والمقبرة الملكية وبيت النبي إبراهيم فضلاً عن كورنيش الناصرية.
وتابع عبد الرزاق، في تصريح لـ"ألترا عراق"، أن "الشركات السياحية تقوم بتنظيم رحلات وبرامج خاصة للسياح الأجانب عبر مكاتبها الموجودة في بغداد وذي قار والمرتبطة ببقية دول العالم، مضيفًا أن "السياح الذين يقصدون ذي قار بلغ عددهم خلال أول أسبوعين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري 100 سائح قدموا من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وفنلندا والدنمارك والسويد وبريطانيا وروسيا وإيطاليا وفرنسا، وغيرها من البلدان، فيما أشار إلى أن "هناك من يسافرون للعراق حتى بلا مترجم مرافق لهم وبشكل منفرد للتجول بحسب المعلومات التي لديهم".
وبشأن الرحالة الياباني، القادم إلى ذي قار عبر دراجته الهوائية، أوضح عبد الرزاق، أنه "حظي باستقبال وحفاوة كبيرة من السكان، خاصة حين تجوله في قرية (آل غزي) وهي أقرب القرى لمنطقة الأهوار في الجبايش، مشيرًا إلى أن "الأهالي قاموا باستقباله والترحيب به واستضافته على العشاء بعد ذبح الخراف له كواجب الضيافة المعروف في جنوب العراق بحسب العادات والتقاليد".
وبيّن أن "السائح الياباني عبر عن سعادته الكبيرة وإعجابه بالأجواء، كما زار الأماكن الأثرية والتقط العديد من الصور لنقلها لبلده، مضيفًا أن "الأهالي من شدة حبهم للسياح واللقاء بهم كانوا يرغبون بعدم جعله يذهب في نفس اليوم واستضافته للمبيت ولكن بقاء أغراضه في الفندق وسط المدينة حال دون رغبتهم".
ولفت مدير المفتشية إلى أن "ذي قار تشهد اليوم انتعاشًا كبيرًا بوجود خطط تطويرية للجانب السياحي في المدينة الإبراهيمية الأثرية بجهد مع منظمة جسر الـ UUP الإيطالية وتمويلها الخاص، فضلًا عن الدعم الحكومي المتمثل بتخصيص 19مليار دينار، حيث تم إنجاز المرحلة الأولى من مشروع (سومريون) لمدينة أور الأثرية والذي استمر لمدة ستة أشهر".
وأضاف، أن "هذه المرحلة تضمنت نصب ممرات خشبية للزائرين للمدينة، مع تأسيس منظومة مياه وجلب عربات كهربائية لنقل السائحين من مدخل المدينة وحتى بناية الزقورة، وأماكن استراحة، وسيلحق ذلك بإنشاء متحف كبير، لتشكل جميعها مدينة سياحية عملاقة مجاورة للآثار تضم الأسواق والمجمعات التجارية ومكاتب بيع التذاكر للدخول أيضًا".
وقال عبد الرزاق، إنه "لأول مرة تقوم مفتشية الآثار على انجاز دليل آثاري للمحافظة يتضمن 67 صفحة وبطراز طباعي ليزري عالمي، حيث تمت طباعة 200 نسخة ستوزع للشركات السياحية والكروبات والفنادق، كما وسيتم طباعة نسخة ثانية من الدليل ستكون باللغة الإنجليزية، مؤكدًا أن "هذا الدليل سيعطي صورة جميلة لمحافظتنا ومعرفة لجميع السواح الداخليين للمدينة بالمعالم السياحية، فيما أشار إلى أن "متحف الناصرية قام بتجهيز أكثر من 3 آلاف قطعة من المجسمات الصغيرة للآثار الموجودة بالمحافظة وتوزيعها كهدايا وصلت إلى أكثر من 60 دولة حول العالم للتعريف بالحضارة السومرية".
وعلى صعيد متصل، أعلنت مفتش آثار وتراث محافظة السماوة، إيثار قاسم مشكور، في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، عن زيارة أول سائح مكسيكي لمدينة الوركاء، مبينة في تصريح صحفي، أن "السائح كارلوس أجرى جولة داخل المدينة واطلع على معالمها التاريخية الشاخصة، كما أبدى إعجابه بمدينة الحرف الأول لما لهذه المدينة من جذور تاريخية منذ القدم، وعبر عن هوايته بالاطلاع على المعالم الأثرية في تاريخ العراق القديم ونقلها إلى بلدان العالم الأخرى".
من جهته، يرى الباحث العراقي في شؤون الآثار، بلال حليم، أن "انتعاش السياحة في العراق بدأت ملامحه بعد الزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان، إذ مثل ذلك الحج الرسولي دعاية كبيرة للأماكن الأثرية ودعوة قوية تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم، مبينًا أنها "كانت أيضًا بمثابة رسالة واضحة عن الأجواء الآمنة والمستقرة تعكس النظرة التي ينظر بها العالم للعراق".
وأضاف حليم، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هناك توجهًا كبيرًا نحو تشييد المشاريع وتطوير البنى التحتية في مناطق أثرية مختلفة في البلاد عبر الجهود الدولية والحكومية المتمثلة برئاسة الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وحتى الحكومات المحلية، لافتًا إلى أن "قطف ثمار الجهود التي كان الجميع يخطط لها منذ سنوات قد حان الآن بوجود المئات أو الآلاف من السياح بشكل يومي من شمال إلى جنوب العراق".
وبيّن أن "فترة ما قبل زيارة البابا إلى مدينة أور ومدينة الموصل، كان المجاميع السياحية ضعيفة جدًا، لكن الآن الوضع مختلف جذريًا ويجب الاستفادة من هذا الجو الإيجابي والترويج أكثر للجانب السياحي خلال الفترة المقبلة، مضيفًا أن "من المؤشرات الإيجابية هو كون الجانب السياحي حتى منذ سنوات الخراب الأمني لم يتعرض لأي تخريب أو تعرض للسياح ولغاية اليوم، وهذا يمكن تأشيره كنقطة مضيئة لتطمين السياح بشكل أكبر خلال زياراتهم الحالية والمستمرة، مؤكدًا أنهم "بالتأكيد سيلمسون هذه التفاصيل بجولاتهم وسينقلون صورة إيجابية عن الأجواء السياحية ما سيعزز حركة الانتعاش".
بعد زيارة البابا للعراق أصبح تجول السياح في الأماكن الجنوبية أمرًا مألوفًا بشكل كبير
وأشار حليم إلى أن "تجول السياح في المحافظات والأقضية ومختلف الأماكن في العراق أصبح مألوفًا بشكل كبير، فضلًا عن تفاعل الناس مع السائحين بشكل جميل جدًا يشعرهم ببهجة الأماكن الأثرية، وآخرها مشهد ما حدث للسائح الياباني في ذي قار وكيف وصل على دراجته الهوائية بعد زيارة أكثر من 50 دولة حول العالم، حيث استقبله سكان الأهوار بوجبات الطعام والضيافة، ما يؤشر كون الفترة المقبلة ستكون مختلفة بشكل كبير عن السنوات السابقة في الجانب السياحي شريطة وجود الدعم المتواصل وتفاعل جميع الجهات مع هذا القطاع الحيوي".
اقرأ/ي أيضًا:
"اختفاء" كرسي البابا في أور يثير الجدل.. توضيح رسمي وطلب مسيحي
آلهة الشعر وسيّدات الملحمة.. ترانيم العراق القديم تصدح في نيويورك