ألترا عراق ـ فريق التحرير
شهدت المنطقة الخضراء وبعض المواقع الحكومية طوال العامين الماضيين، هجمات مسلحة بصواريخ أو طائرات مسيرة، لم يكن المسؤول عنها واضحًا أو متبنيًا صريحًا لهذه العمليات، ولم تكشف جميع اللجان التحقيقية التي تشكلت لهذا الغرض عن الفاعل الحقيقي، إلا أنّ المعطيات السياسية كانت تقود الاعتقاد الجماعي نحو الفاعل المحتمل، وتحول اتهام الفصائل المسلحة المقربة من إيران بهذه العمليات، إلى يقين جارٍ على أذهان وألسنة العديد من المهتمين بالشأن السياسي في العراق.
بعد الاشتباك المسلّح الذي كان الصدريون أحد أطرافه في آب الماضي بدأت الأجواء السياسية تشهد "أعمال ظل" مشابهة نسبيًا لأعمال الفصائل المقربة من إيران
الفصائل المسلّحة كانت "البطل الرئيسي" لمعظم عمليات العنف والمظاهر المسلحة والتجاوز على مؤسسات حكومية ومنازل رؤساء الجمهورية برهم صالح والحكومة مصطفى الكاظمي وقصف المنطقة الخضراء بالصواريخ طوال العامين الماضيين، إلا أن التيار الصدري انخرط في آب/ اغسطس الماضي، في أول توتر مسلح ضد الدولة أو عناصرها منذ 2008 (صولة الفرسان)، وذلك على خلفية قمع شديد تعرض له المعتصمون والمتظاهرون الصدريون بعد زحفهم إلى عمق المنطقة الخضراء ومحاولة الوصول لمنازل قادة أحزاب وكتل سياسية منضوية ضمن الإطار التنسيقي.
وبعد الاشتباك المسلح الذي كان الصدريون أحد أطرافه بصفتهم الصريحة، وانسحابهم بعد توجيه شديد اللهجة من زعيم التيار مقتدى الصدر، بدأت الأجواء السياسية تشهد "أعمال ظل" مشابهة نسبيًا لأعمال الظل التي كانت تقودها الفصائل المقربة من إيران، حيث تعرضت المنطقة الخضراء إلى قصف صاروخي في أيلول/سبتمبر الماضي، بالتزامن مع أول جلسة للبرلمان بعد تعطله بفعل اعتصام الصدريين داخل المجلس، وأدى القصف لإصابة 7 أفراد معظمهم من العناصر الأمنية.
ومع انعقاد جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس 13 تشرين الأول/أكتوبر، تعرضت المنطقة الخضراء لقصف بـ9 صواريخ سقطت على مناطق ومواقع مختلفة داخل وخارج المنطقة الخضراء ومقترباتها.
وبالرغم من أنّ "عمليات الظل" التصقت طوال الفترات الماضية بالفصائل المسلحة وفقًا لقراءات سياسية، إلا أنه وبذات الطريقة يجري الاعتقاد بأنّ من يقف وراء هذا القصف عناصر من التيار الصدري، وذلك وفقًا للقراءة السياسية التي ترى أنّ تعطيل ومنع استكمال العملية السياسية وانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة جديد من قبل الإطار التنسيقي وحلفائه، هي أهداف "صدرية" غالبًا، بالرغم من عدم وجود دليل واضح على وقوف التيار الصدري وراء هذه العمليات، فضلًا عن التبرؤ الذي صدر من حسن العذاري المقرب من الصدر، والذي وصف الأطراف التي تحاول "تعطيل الجلسة بالصواريخ" بأنها "موالية للفاسدين".
ويقرأ مراقبون تغريدة العذاري بأنها لا تحمل اتهامًا لأطراف "خارج التيار" تحاول افتعال هذه العمليات لاتهام التيار بها، بل أنها تحمل نسبيًا "اعتقادًا" بأن المسؤولين عن هذه العمليات هم "صدريون" يتحركون ذاتيًا دون ارتباط مركزي بتوجيهات أو رؤية القيادة المركزية في التيار.
وبينما تقود المعطيات إلى وقوف أطراف صدرية وراء الاستهدافات الصاروخية هذه، وإن صحّت، فأنها ستكون نقطة تحول وتبادل للأدوار بلجوء الصدريين إلى "عمليات الظل" لأول مرة منذ 2008، وبالمقابل فإنّ المنصات الإعلامية والشخصيات المرتبطة بالفصائل المسلحة، التي كانت منخرطة بفعاليات مشابهة طوال العامين الماضيين، بدأت تهاجم وتنتقد "التجاوز على الدولة والدستور بالسلاح".
وتطرح تساؤلات عن التداعيات والمعنى العميق لعودة الصدريين إلى "عمليات الظل" في حال ثبت وقوف الصدريين وراؤها، وما إذا كان التوجيه المركزي للصدر سيؤدي لإيقاف هذه العمليات بالفعل، أم أن افتعال المتاعب وعمليات الظل سترافق حكومة محمد شياع السوداني طويلًا في حال نجاح البرلمان ورئيس الجمهورية الجديد بإيصال السوداني إلى المنصب.
ويستبعد الباحث السياسي أحمد الياسري وقوف الصدريين وراء هذه العمليات أو عودتهم إلى "الفصائلية"، بحسب وصفه.
ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "من الممكن أن يكون الفاعل هو طرف ثالث يحاول تسقيط الصدريين"، مبينًا أن "حظوظ الصدريين ضعفت كثيرًا بعد أحداث اشتباكات المنطقة الخضراء، وبدأ الكثير من الجمهور الاحتجاجي ينظر إليهم كجهة فصائلية وليست جهة حزبية تمتلك أجندة إصلاحية"، مرجحًا أن "يكون الفاعل وراء هذه الاستهدافات هي جهة مقربة من ذات الجهات المعروفة باستهداف مواقع الدولة، والهدف هو إحراج الصدريين، وتجعلهم يتوقفون عن الاعتراض على الحكومة أو اضعاف القوة الاحتجاجية بشكل عام وتمرير حكومة السوداني وجعل الإطار هو الحل السياسي، وهي القوى السياسية التي تطبق الدستور وتشكل الحكومة".
ويعتقد الياسري أنه من الممكن "قراءة هذه الاستهدافات لا يوجد مؤشر لعودة الصدريين إلى الفصائلية لأنهم يمتلكون قوة جماهيرية وإذا أرادوا أن يشتبكوا يخرجوا بشكل مباشر ولا يحتاجون للعمل بالظل"، مبينًا أنّ "هناك عملية عزل اجتماعي يقوم بها الإطار ضد الصدريين، ويمكن أن نضع هذه الاستهدافات ضمنها".
الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عقيل عباس، يستبعد أيضًا وقوف الصدريين وراء هذه الفعاليات، فيما يعتقد أن القرار الصدري هو عدم التدخل بأي طريقة تجاه مسار تشكيل الحكومة القادمة.
وقال عباس في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الصدريين لا يحتاجون لأن يقوموا بهذه العمليات، خصوصًا وأنها ليست فعالة ولا تؤدي لشيء، وهنالك وسائل أفضل يمتلكها الصدريون لإعاقة ومنع الجلسة لو أرادوا منها فعاليات شعبية وسياسية".
وأشار إلى أنّ "القراءات السياسية قد لا تتمكن من معرفة من وراء هذه العمليات والأمر يحتاج إلى تحقيق وإعلان النتائج، إلا أنّ في العراق لا يحدث شيء من هذا القبيل تجاه عمليات من هذا النوع".
يرى مراقبون أن هناك قرارًا صدريًا بترك حكومة السوداني تمضي دون أن يصدر موقفًا خلال هذه الفترة
ويستبعد عباس أن "يقوم الصدريون بأي فعاليات مشابهة أو عرقلة العملية السياسية أو إعاقة حكومة السوداني"، مرجحًا "وجود قرار صدري بترك هذه الحكومة تمضي وتتشكل دون اتخاذ موقف قريب".