غرقت الأسواق في البلاد عقب العام 2003، بشكل كامل بالبضائع الإيرانية والتركية، ولم يفتح الأكثر من التجار العراقيين رغم مرور 19 عامًا أي تعاملات جديدة ومباشرة مع أوروبا أو أفريقيا وحتى أميركا، وسط تساؤلات مستمرة عن أسباب هذا الامتناع عن التوجه نحو الأسواق العالمية.
يرى خبراء اقتصاديون أن الشركات الإيرانية والتركية تتقبل من التجار الأوراق غير الدقيقة بشأن أسعار المواد المستوردة
وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران أكثر من 10 مليارات دولار خلال العام 2021، وفقًا لموقع "trade map"، فيما كشف السفير التركي لدى بغداد فاتح يلدز، عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين أنقرة وبغداد إلى 15 مليارًا و800 مليون دولار خلال العام الماضي.
جهات سياسية مسيطرة
ويقول الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي، في حديث لـ "ألترا عراق"، إنّ "هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء عدم فتح أسواق تجارية مع دول جديدة بعيدًا عن تركيا وإيران".
ووفقًا لحديث الشيخلي، فإنّ أبرز هذه الأسباب هي سياسية، خاصة بما يتعلّق بالتعامل التجاري تجاه إيران التي ترفض العمل على تصنيع العديد من المواد المصدرة إلى العراق من قبل العراقيين لحصر تصديرها لهم.
أما بشأن الأسواق التركية، يضيف الشيخلي، أنّ "التجار العراقيين دائمًا ما يلجأون إلى تركيا كون البضائع هناك رخيصة الأسعار وذات جودة أقل مما هو المفروض وفقًا للمواصفات العالمية".
وهناك صعوبة كبيرة في فتح أسواق جديدة، عدا هاتين الدولتين، والكلام للخبير الاقتصادي، لأنّ "أكثر قضايا التجارة حاليًا تدخل فيها عمليات غسل أموال، وذلك من خلال قيام التجار العراقيين بإخراج أموال أكثر مما سيشترون بها بضائعهم ويهربون بما تبقى منها لاكتنازها في الخارج".
ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أنّ "الشركات الإيرانية والتركية تتقبل من التجار الأوراق غير الدقيقة بشأن أسعار المواد المستوردة، الأمر الذي يتيح لهم الاحتفاظ بالجزء الأكبر من الأموال المحولة في حسابات لصالح المالكيين الأصليين (أكثرهم نافذين سياسيين)، لتلك الأموال التي غالبًا ما يكون مصادرها ناتجة عن عمليات فساد".
ويرى الشيخلي أنّ "أغلب التجار في العراق يستندون بالخفاء على جهات سياسية كبيرة متنفذة"، مؤكدًا أنّ "الشركات الأجنبية الرصينة لا تقبل بيع المواد التجارية بوصولات غير مطابقة لأسعارها في الواقع مما يجبر أغلب التجار على استمرارهم بالتعامل مع تركيا وإيران المتوفر فيها فسحة أكثر للتعاملات غير الشرعية".
ويختم الشيخلي، حديثه قائلًا إنّ "هناك أهمية لوضع قوانين صارمة في استحصال الضرائب والجمارك وفحص ما يدخله التجار وفقًا لإجازات الاستيراد، فضلًا عن فرض السيطرة النوعية على البضائع الواردة بحيث تكون متطابقة مع المواصفات القياسية العراقية للتحكم بجودة المواد الداخلة إلى العراق".
مساع وصعوبات
وعلى صعيد استمرار التجارة بين العراق وتركيا، كشف رئيس الحكومة المحلية في محافظة السليمانية هفال أبو بكر، الشهر الماضي من العام الجاري، عن وجود مساع من قبل أنقرة لزيادة حجم التبادل التجاري مع جميع المحافظات إلى 20 مليار دولار بحلول نهاية العام 2022.
لكنّ إيران ووفقًا لحديث الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق جهانبخش سنجاني شيرازي، تعاني من صعوبة تحويل عائدات الصادرات الإيرانية رغم زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، مؤكدًا أن "طهران قامت العام الماضي بتسديد مبالغ السلع التي تحتاجها من أموالها في المصارف العراقية ثم استيرادها عبر المنافذ البرية المشتركة إلی الأراضي الإيرانية".
ويرى المختصون في مجال الاقتصاد، أن "هناك إهمالًا واضحًا من قبل الحكومة العراقية على مدار السنوات الماضية بشأن عدم حماية المنتج المحلي، وإبقاء أبواب الاستيراد العشوائي مفتوح أمام السلع والبضائع الإيرانية والتركية والسماح بإغراق الأسواق بهما".
تعليق حكومي
المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، يقول من جانبه إنّ "تقاليد تجارة القطاع الخاص الخارجية ترسخت بعد أزمة الحصار الاقتصادي في العقد التسعيني والسنوات اللاحقة بتعاظم استيراد المواد الغذائية والسلع الضرورية كالأدوات المنزلية والعديد من اللوازم ومدخلات الإنتاج من البلدان المجاورة لانخفاض أسعارها".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يشير صالح إلى أنّ "أحد أهم هذه الأسباب هو هبوط تكاليف الشحن وسهولة إجراء التسويات المالية عبر الحدود".
ومنذ العام 2003 وحتى اليوم، والكلام لصالح، فإنّ ثلاثة أسواق هي الأقوى في التعاطي التجاري مع العراق ولا سيما في مجال الاستيرادات وهي أسواق صادرات تنتج سلع رخيصة نسبيًا، وتشكل الثقل الأكبر في استهلاك السوق العراقية وبنسبة 60% وهي (تركيا وإيران والصين).
ويستطرد المستشار الحكومي، قائلًا "إذ تهيمن الصين حاليًا على قرابة 22% من الناتج الصناعي العالمي ومنها السوق العراقية"، مبينًا أنّ "الصين تقدم منتجات ذات تنافسية عالية وبأسعار منخفضة جدًا، ما يعني أنّ عوامل الجذب التجاري بين العراق والصين وكذلك البلدين الجاريين هي في أعلى ما يمكن"
ثلاثة أسواق هي الأقوى في التعاطي التجاري مع العراق ولا سيما في مجال الاستيرادات وهي تركيا وإيران والصين
ويتابع صالح، بالقول إنّ "تغيير النمط الاستيرادي والتحول نحو أسواق أوروبا الغربية وشمال القارة الأمريكية يحكمه أكثر من عامل وفي مقدمة تلك العوامل هي أذواق المستهلكين، فضلاً عن التنافسية السعرية، إضافة إلى عامل كلفة خدمات المعاملات الاستيرادية من شحن وتأمين وتسويات مالية والتي تعد عائقًا مهمًا في سرعة تبادل اتجاهات الأسواق، وبهذا تبقى المنافسة السعرية هي من يقود اتجاهات المستهلكين والتي تتحكم بها في الوقت الحاضر الأسواق الثلاثة المذكورة آنفًا".