14-فبراير-2019

محل في الموصل لبيع هدايا عيد الحب (فيسبوك)

لم يكن لـ"عيد الحب" معنى قبل اجتياح تنظيم "داعش" للموصل في حزيران/ يونيو 2014، حيث كان يسيطر قبله تنظيم القاعدة، وكانوا يمنعون ليس المظاهر المتعلّقة بـ"بعيد الحب" فقط، إنما كل مظاهر الحياة العصرية العامّة بدعوى مخالفتها "لتعاليم الدين الإسلامي".

الموصليون لم يحتفلوا بـ"عيد الحب" في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي، فقد كان "تنظيم القاعدة" يمنعهم وبعده "داعش"

في صيف 2014 الذي اجتاح به عناصر تنظيم داعش الموصل، وأحكموا سيطرتهم على المدينة، لم يكن للناس أية فكرة عن الاحتفال بـ"عيد الحب" الذي يحيي العالم فيه ما يتعلّق بالعشق، فأربع سنوات كانت كافية ليس فقط لعدم التفكير به، وإنما نسيانه، والانشغال بالحرب والتحرير والقتلى الذين وصلوا إلى "الآلاف" الذين سجلوا في قوائم "الشهداء" بالمدينة.

اقرأ/ي أيضًا: تحت الموصل القديمة.. هكذا تعامل جثث جنود البغدادي

لكن العام الحالي، هو أكثر الأعوام استقرارًا في الموصل منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، حيث بدأت فعليًا مظاهر الاحتفال الخجولة بعيد العشاق أو الحب، لكن رغم ذلك فأن العادات الاجتماعية للموصليين وفي بعض المناطق، تحد من الاحتفال العلني بهذا العيد.

المحلّات عرضت الدببة بالأحجام الكبيرة بعد سنوات من المنع (ألترا عراق)

كانت سجى (22 عامًا) محرومة من عيش مظاهر هذا العيد، لكنها في هذا العام قامت بتحضير هدية لحبيبها الذي يعمل خارج الموصل، بعد أن أقدمت على شرائها منذ أيام من أحد المتاجر في حي الزهور الذي يقع في شرق الموصل، وغلفتها بيدها، ووضعت عليها أشرطة حمراء ووردة.

 تقول سجى لـ"ألترا عراق"، إنها "قد لا تستطيع أن تهدي ما جادت به يدها لحبيبها في موعد عيد الحب، لانشغال حبيبها في العمل خارج الموصل، وعدم استطاعته على التواجد في ذلك اليوم، مشيرة إلى "صعوبة الخروج بموعد معه حتى إذا جاء بالمناسبة، لأن أعين الناس ستكون عليهم، مستدركة "لكن الأهم أنها لم تنسَ هذا اليوم وأهميته للعشاق وستقدم الهدية في الوقت المناسب".

لعيد الحب في الموصل طقوس مختلفة، حيث أنه بالرغم من وجود بضع محلات تبيع الورود ودمى الدببة وباقي هدايا العشاق في أحياء معروفة بأنها مناطق الطبقة الراقية في شرق الموصل، مثل الزهور والمثنى والمجموعة الثقافية، لكن الناس تكتفي هناك بشراء الهدية أو باقة الورود،  أو قالب حلوى، والذهاب إلى المنزل حيث لا يوجد سوى المنزل مقرًا للاحتفال، عندما لا تظهر المقاهي ومطاعم المدينة أي استعدادات لاستقبال العشاق، بخلاف مدن مجاورة مثل أربيل القريبة.

من محلات حي الزهور (ألترا عراق)

بهذا الصدد، أشار الناشط الموصلي محمود صبيح إلى أن "الناس تذهب بالهدايا إلى المنزل بعيدًا عن أنظار الناس، يحتفلون فيما بينهم، لعدم وجود مطاعم تقيم احتفالات ولا محال ترعى مثل هذه المناسبات".

لا يوجد في الموصل أماكن عامّة تحتفل بعيد الحب بسبب طبيعة السكان وتقاليدهم لهذا يلجأ الناس للاحتفال في بيوتهم

قال صبيح في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "حتى إذا أراد الموصلي الاحتفال مع عائلته، ونحن نتحدث عن المتزوجين وليس العشاق، فأنه لا يستطيع أن يظهر الاحتفال علنًا، ليس خوفًا من انتقام قد تنفذه خلايا "داعش" التي قد تكون موجودة، وإنما بسبب طبيعة العائلات الموصلية، التي لا يوجد في قواميسها مثل هذه الاحتفالات".

أضاف أن "المجتمع الموصلي الحقيقي هو مجتمع منغلق حتى إن كان من الطبقة الراقية، لافتًا إلى أنه "بسبب الظروف هجر الموصل الكثير من السكان غير المنغلقين، لتتحول المدينة إلى معقل للسكان الذين جاءوا من الريف والقرى، وهم أيضًا مجتمع منغلق، لذلك فأن لا مظاهر ممكنة للاحتفال".

اقرأ/ي أيضًا: التهريب والأتاوات في الموصل..هل هو الانهيار مجددًا؟

أوضح صبيح أن "البعض يحتفل بهدية قد يوصلها إلى جامعة الموصل، المتنفس الوحيد لعشيقته التي قد تكون طالبة معه في الجامعة، لكن عليه أن يخفيها بعيدًا عن أنظار الأمن الجامعي".

شارع العشاق وجسر أقفال الحب

ورغم الحديث عن صعوبة الاحتفال بالحب، أو محاولة الناس الابتعاد عن الأنظار بهذه المناسبة، إلا أن للموصل مكانين هما الوحيدان الخاليان تقريبًا من العشاق، وهما شارع العشاق في الغابات بالجانب الشرقي من المدينة، وجسر أقفال الحب، الذي يوجد عند الجسر القديم الرابط بين الشرق والغرب، على نهر دجلة.

 المكان الأول، يقول عنه عمر عثمان وهو شاب موصلي، بأنه مكان التقاء العشاق نسبة لاسمه، مستدركًا "لكن رغم ذلك فأن المكان لم يشهد سوى دخول بعض العشاق لبضع ثوانٍ بأوقات مختلفة وبين فترات متباعدة إليه، بينما تتكدس العائلات فيه أكثر من أي محب، مما يجعله اسمًا على غير مسمى، حيث لا مظاهر تدل على أن الناس فعليًا تعتبره مزارًا للمحبين".

بالرغم من تحطيم الأقفال إلا أن الشباب أعادوها (ألترا عراق)

أما جسر أقفال الحب، يقول عنه عثمان في حديثه لـ"ألترا عراق"، إنه "حديث الإنشاء، أي بمعنى أن الناس حاولوا الاحتفاء فيه العام الماضي، عندما أعيد ربط جانبي الموصل، بالجسر العتيق بعد بنائه إثر القصف الذي طاله خلال الحرب، ووضع ذكريات العاشقين عليه من خلال وضع أقفال الحب على طرف الجسر، مثل ما يفعل في مدن كثيرة، لكن سرعان ما استهدفه الصبية بتكسير الأقفال، ولم يبق سوى القليل منها".

عيد العشاق.. يوم عادي لشعب يعشق الحياة!

يقول الباحث الاجتماعي محمد سعد لـ"ألترا عراق" إن "مجتمع الموصل خلاق ويعشق الحياة، بكامل تفاصيلها، والدليل أن الناس فور انتهاء الحرب باشروا بإعادة بناء منازلهم ومحالهم وفتحوا أبوابهم أمام كل القادمين إلى الموصل، ولم ينتظروا أن تبني الدولة ما دمر من مبانيها في الموصل، مستدركًا "لكن رغم ذلك لا تزال العادات والتقاليد تسيطر عليهم".

بالرغم من أن الموصليين يعشقون الحياة لكن العادات والتقاليد لا تزال مسيطرة عليهم

أضاف سعد، أن "الموصليين مثل باقي المجتمع العراقي، تتحكم فيهم النزعات العشائرية، إضافة إلى أنه مجتمع بني على أساس العوائل، مبينًا أن "هذين الجانبين يجعلان من الناس، يحذرون في إظهار نشاطهم الاجتماعي، خصوصًا في حالة الحب، فهم رغم الدمار الذي حل بهم لا يزالون يحتفظون بالمظاهر، وعيد العشاق يعتبرونه من الأعياد الغربية البعيدة عن التقاليد الاجتماعية الموصلية العريقة".

أوضح سعد، أن "الموصليين ربما يحتفلون بعيد رأس السنة مثلًا، لكن هذا الإجراء تقوم به الدولة أو منظمات مدنية، بشكل جماعي وليس احتفالًا شخصيًا يقوم به صاحب مطعم أو أناس للتعبير عن "حبهم" مثلا".

الحمدانية وحدها تحتفل!

تقع الحمدانية في شرق الموصل، قريبة نسبيًا من مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، وهي بلدة ذات أغلبية مسيحية، كانت تخضع لتنظيم "داعش"، خلال سنوات سيطرته.

 يقول كاهن في الحمدانية رفض الكشف عن اسمه لأسباب شخصية، إن "الأهالي هنا استعدوا لعيد الحب، لأن الحياة هنا تختلف عما هو في الموصل، مبينًا أن "عوائل الحمدانية وبسبب الطبيعة الدينية والنشأة منفتحين أكثر، ولا يتركون مناسبة دون الاحتفال بها، لافتًا إلى أن "الكثير من النوادي حضرت أماكنها لإقامة حفلات عيد العشاق، وكذلك المحلات اكتظت بالبضائع المستوردة التي تباع للعشاق بهذه المناسبة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"الناركيلة" تغزو الموصل وتفرق بين الفتيات والشباب.. ظاهرة "الدخان" وأسبابها

هل حان حقًا موعد الاحتفال بتحرير الموصل؟