ألترا عراق ـ فريق التحرير
يحاول الشباب من أبناء المحافظات الجنوبية أن يصنعوا في العيد طقسًا مختلفًا يهوّن عليهم مرارة أيامهم، وبالرغم من وجود العديد من تسهيلات السفر إلى خارج العراق من حيث تأشيرة الدخول والتكلفة، إلا أن ذلك يتعذر على الكثير منهم، خاصة سكّان المحافظات الجنوبية، والتي لا يحصل الشباب فيها على فرص العمل بسهولة.
تمثل العاصمة بغداد للشباب من أبناء المحافظات الجنوبية الخيار الأفضل لقضاء أيام العيد فيها، خاصة وأن محافظاتهم لا تحتوي على أماكن ترفيهية كافية
فيما تمثل لهم العاصمة بغداد الخيار الأفضل لقضاء أيام العيد فيها، خاصة وأن محافظاتهم لا تحتوي على أماكن ترفيهية كافية، والموجود غالبًا ما يكون للعوائل فقط، مع انتشار أمني "يضيّق على حركتهم"، فوجود الشاب في الشارع خلال أيام العيد غالبًا ما يجعله ضمن دائرة الاتهام بالتحرّش بالنساء، وما حدث في الأنبار مع من يرتدون "البرمودا"، كان دليلًا على النظرة للشباب في المحافظات.
تأشيرة السفر إلى بغداد
لا يمتلك البسطاء والمعدمون من الشباب، خاصة أولئك الذين لم يعهدوا غير بغداد وجهةً للسفر غيرها، فيما يحتاج الباحثين عن عطلة عيد مختلفة إلى تأشيرة سفر إلى بغداد، وهذه لا تمنحها السلطات، وإنما العوائل، فالسفر إلى العاصمة في العيد يبعث الريبة لدى ذويهم ما يدفع الشباب إلى الكذب.
اقرأ/ي أيضًا: شرب الخمر "جريمة" في جنوب العراق.. مزاج "الخصوصيات" فوق الدستور!
يروي سلام حسن برنامجه في عيد الأضحى، والذي يعده فرصة مناسبة للذهاب إلى بغداد برفقة بعض الأصدقاء، حيث يبتسم بخجل، ويقول "سنفعل كل ممنوع، سنرقص ونشرب الخمر، وربما ننام على الأرصفة".
يتابع حسن في حديث لـ"ألترا عراق" أننا "ثلاثة أصدقاء، لكل منا حكاية نسجها لأهله ليكون في بغداد، أنا أبلغتهم بوفاة والد صديقي وضرورة الحضور، ولأن هذا من بديهيات "الواجب المقدس" في سياقات العائلة، فأنا اعتبر نفسي بإجازة مفتوحة".
يشير حسن إلى أن "رفاقه أخبروا أهلهم بالسفر إلى كربلاء والنجف للزيارة، والبقاء هناك لأيام بضيافة أحد الأصدقاء"، لافتًا إلى "ذهابهم فعلًا إلى كربلاء والتقاطهم صور ونشرها في "فيسبوك".
وبشأن جولتهم في العاصمة، يقول حسن، إنها "تبدأ وتنتهي في لاس فيغاس العراق، نحط رحالنا في فندق وسط السعدون، وبعدها ننطلق. كل شيء هنا مناسب ومباح، لا نهرب من نظرات الذين يعرفوننا، ولا نهتم بمصدر الكحول، ولا نختصر كمية الشرب خوفًا من أن يكشفنا أي أحد، ومثلنا الكثير من الشباب، يأتون لبغداد بحثًا عن الحرية"، مستدركًا "لكن من لم يخبر بعد طرق التعاملات المادية قد يكون صيدًا دسمًا للكثير من سائقي التكسي وحتى نساء النوادي الليلة".
أضاف حسن "قياسًا بغيري، أنا كثير السفر إلى بغداد، أجيد نوعًا ما التعامل، وأخرج بأقل الخسائر، فضلًا عن معرفتي ببعض الأماكن التي تكون أسعارها مناسبة، لكن الكثير يجهلون هذه التفاصيل ويعملون بمبدأ "هي سفرة كل سنة"، فيما تكون هذه ليلة المكاسب الذهبية لجميع مقدمي الخدمات".
أصحاب النوادي والمطاعم يضاعفون الأسعار في فترة العيد ويحاولون استغلال جهل وحاجة الغرباء الذين يزورون بغداد بأوقات المناسبات
أشار حسن إلى أن "الأسعار تختلف خلال العيد، وهي غالية داخل النوادي الليلة، فنقوم بالشرب في الفندق أو الشارع من خلال التجول بعد تحويل الخمر علبته الأصلية إلى قنينة ماء "ممية" كما تسمى، نشرب حتى نقترب من السكر، فندخل إلى النوادي الليلة، ونطلب أشياء بسيطة لا تكلف كثيرًا، فيما نستمتع بالرقص والنظر إلى النساء".
اقرأ/ي أيضًا: طريق الكحول إلى العراق.. تجارة تحكمها ميليشيات دينية وأحزاب سياسية
إزاء ذلك تنزعج "م.ه" وهي عاملة في نادي ليلي وسط بغداد، من أجواء العيد لاكتظاظ المكان وازدياد المشاكل عن الأيام الطبيعية، مبينة أن "أصحاب النوادي والمطاعم يضاعفون الأسعار بهذه الفترة ويحاولون استغلال جهل وحاجة الغرباء"، لافتة إلى أنها "تتعرض هي وصديقاتها إلى التحرّش بشكل مبالغ فيه من قبل الزبائن، والذين تميزهم مسحتهم وطريقة كلامهم، أنهم الوافدون من خارج بغداد خلال العيد".
أضافت "م.ه" في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "رواد النادي في الأيام العادية ينقطعون عن النادي في العيد، لأنهم يدركون أن الأسعار تتغير نوعًا ما، بالإضافة إلى أن الفوضى تملأ النادي، مبينةً "الناس هنا يشربون لساعات وبكميات كبيرة، فهم لم يروا الخمر ولا النساء في مناطقهم"، مشيرة إلى أنهم "يقعون في الكثير من المشاكل، سواء في الخلاف على فاتورة الجلسة أو شجار بسبب السكر مع العاملات، فهم يتصورون أن البغاء مباح بشكل علني، وسهل مع النساء هنا، ولا يعرفون أن لكل مقام مقال".
تنقل "م.ه" عن بعض زبائنها في العيد بالقول إنهم "يشكون نقص المشروبات الكحولية في مناطقهم، ويستغربون من كثرة النوعيات الموجودة هنا، والتي لم يتذوقونها من قبل، فضلًا عن أسعارها المضاعفة في مناطقهم، بالإضافة إلى أن جلساتهم غالبًا ما تكون في أجواء مشحونة خوفًا من أن يتم ضبطهم".
"لاس فيغاس" العراق
على بُعد بضعة أمتار من نصب الحرية، تبدأ منطقة السعدون التي تنحصر بين شارع "أبو نواس" ونهر دجلة غربًا، وتحدها ساحة التحرير شمالًا، ومنطقة الكرادة جنوبًا، وتتمركز في وسطها أشهر دور السينما والفنادق والمحال التجارية والشركات الضخمة بمختلف أنواعها القائمة على جانبي شارع السعدون الذي يقطعها ممتدًا من ساحة الفردوس إلى ساحة التحرير، وتعد السعدون المركز الرئيسي للنوادي الليلة ومحلات بيع الخمور ودور البغاء، ويصفها أبناء المحافظات العراقية بأنها "لاس فيغاس" العراق.
مصدر: يختلف إيقاع الحياة بالليل في شارع السعدون أو ما يسمى بـ"لاس فيغاس"، حيث يكاد يتلاشى دور الدولة والأجهزة الأمنية ويخضع لسيطرة جماعات مسلحة
فيما يختلف تمامًا إيقاع الحياة فيها عن باقي مناطق العاصمة، حيث يكاد يتلاشى دور الدولة والأجهزة الأمنية، وتخضع لسيطرة الجماعات المسلحة بحسب أحد ساكنيها، إذ تتقاسم هذه الجماعات، المنطقة فيما بينها بطريقة يعرفها السكان المحليون، وكل "قاطع" يخضع لجماعة مسلحة توكل مسؤوليته إلى "حجّي"، تتولى مجموعته جمع الاتاوات من أصحاب المحال والنوادي الليلية، والتدخل في معظم الأعمال التجارية، بدءًا من أصغر قنينة كحول وصولًا إلى تجارة المخدرات.
اقرأ/ي أيضًا: خمر مجاني وفتيات: كم تدفع بارات بغداد وملاهيها للحشد والشرطة؟
إزاء ذلك، يقول علي أحمد، وهو اسم وهمي اختاره لنفسه، وهو صاحب عربة لبيع المأكولات السريعة مقابل نادي ليلي في شارع السعدون، إن "الحياة تبدو طبيعية في النهار، المحال التجارية المتخصصة ببيع الأجهزة الطبية والصيدليات، بالإضافة إلى المطاعم، وعند أول خيوط الغروب تبدأ الحركة باتجاه النوادي، ومحال بيع الكحول حيث تتغير الوجوه وتبدأ النساء بالوصول إلى أماكن عملهن".
أضاف أحمد في حديث لـ"ألترا عراق"، "أبيع بعض المأكولات التي تستخدم "مزّة"، معظم زبائني ممن يحتسون الخمر في سياراتهم، والكثير منهم لا يدخل إلى النوادي بسبب الأسعار وبعضهم يعتبرها جولة في بغداد"، لافتًا إلى أن "خلال أيام العيد يختلف العمل من حيث الكميات والزبائن، حيث يصل المئات من أبناء المحافظات والكثير منهم يأتون بسياراتهم أو يستأجرون سيارات مرّجع من وإلى المنزل".
تابع أحمد أن "وجود القوات الأمنية هنا روتيني، ولا يتجاوز تفريق الناس عند حدوث شجار أو حادث مروري، حيث تخضع المنطقة لنظام دقيق يشرف عليه "حجّي" تابع لفصيل مسلح، الجميع يدفع، كل منا حسب موقعه وعمله"، لافتًا إلى أنه "يعمل في مكانه منذ خمس سنوات قادمًا من إحدى المحافظات الجنوبية".
يفضّل أحمد سيطرة هذه "المجاميع" بالرغم من جمعها الأموال منهم، عازيًا ذلك إلى إنها "تخلّصهم من كثرة المبتزين والجماعات الأخرى، وتجعلهم يعملون بانسيابية من خلال الحماية من جهة واحدة، فيما يتولون هم الترتيب مع الجهات الأخرى المسلّحة في توزيع "القواطع"، لافتًا إلى أنه "لا توجد تسعيرة واحدة بين الجماعات التي تسيطر على "القواطع"، حيث هناك فرق بين ما يأخذون عن كل عربة أو نادي، وهناك منهم من لا يأخذ من أصحاب العربات، فيما يفرض مبالغ كبيرة على أصحاب النوادي ومحلات بيع الكحول ودور البغاء".
الكثير من محلات بيع الخمور هي مجازة بأسماء مواطنين من المكون المسيحي لكن "الحجاج" يقومون باستئجار الإجازة مقابل مبالغ رمزية ويتولون مهمة البيع
وأشار أحمد إلى أن "الكثير من محلات بيع الخمور هي مجازة بأسماء مواطنين من المكون المسيحي لأن الشروط التي تحددها هيئة السياحة تشترط عدم منح المسلم إجازة محل فتح الخمور"، مستدركًا "لكن "الحجاج" يقومون باستئجار الإجازة مقابل مبالغ رمزية ويتولون مهمة البيع".
لفت أحمد إلى أن "كل مجموعة توزع فيما بينها الأعمال، كل منهم يتولى اختصاص معيّن، مثل محلات بيع الخمور والنوادي الليلة، بالإضافة إلى توفير النساء العاملات في البغاء والنوادي وحتى الشباب الشواذ"، مبينًا أن "توفير النساء يتم من خلال شبكة من النساء المعروفات محليًا بـ"الشيخة"، بالإضافة إلى شباب يتوزعون في المرآب والساحات يأتون بـ"الهاربات" من مناطقهن يضمنون لهن السكن والأمان مقابل العمل معهم".
اقرأ/ي أيضًا:
المشروبات الكحولية تصارع التقاليد والتطرّف في الموصل.. ما مصير "عرق بعشيقة"؟
من الترانزيت إلى الاستهلاك.. المخدّرات تتسلّل إلى حقائب طالبات العراق