01-يونيو-2020

(د.عاصم فرمان)

لا فارسُ انتحلت وجوهَ الماءِ في الكتبِ القديمةِ،

لا بلادُ الحكمةِ الشقراء، يونان المدينةِ، لا بلادُ النكبتينِ..

يقولُ صوفيٌّ: وما نفع الكلامِ بلا وضوحِ! تُريدُ أن تصلَ الهناءةَ بالمجازِ! عليكَ أن تمضي وحيدًا في رؤاكَ؛ تباعدُ الحراسَ، ثم تعفُّ عن سِرِّ النَدامى، تقتفي أثرَ اشتهاء الطيرِ، دع عنكَ الغرابَ وقصةَ الخلقِ الأخيرةِ، وانتبه للهامشيينَ، الحقيقةُ في الرغيفِ، بصدرِ فاختةٍ تنوحُ (كأم عوفٍ)، في تعري نخلتينِ أمام مرأى اللهِ، في قُبلِ الصغارِ، الناسُ، آهِ الناس، دع عنكَ التشبهَ بالإلهِ، وما تقولُ الناسُ، يشغلها التمنطق بالنعاسِ، تفزُ تشتمُ كلّ مرآةٍ، وترجعُ للفراشِ، فراشَ عوليس المُلطّخ بالدماءِ، دمَ الخيانةِ والرضوخِ، تُريدُ أن تصلَ الهناءةَ بالوضوحِ؟ إذًا، عرفتَ، يقولُ شيخُ الواصلين، إذًا وصلتَ، وصلتَ وحدكَ..

كلّهم عضّوا، على تيهِ الطريقةِ والطريقِ، أصابعَ الوهمِ الكئيبْ!

 لا ظلمةُ الأنوارِ مرت فوقَ (كو سنگي)، كنتُ هناكَ وحدي أشعلُ السيجارةَ، العشّاقُ يلتاعون في متع التذكرِ، زرادشت يعلّمُ الأطفالَ تفسيرَ البكاء، وبحة الثكلى على بابِ القيامةِ، جاءَ (نيتشه) بعد ما أنهى الغروبُ طعامه؛ ليقولَ معتذرًا، كفاكَ تصبرًا، قلُ ما تريدُ من النهايةِ؟! هكذا يتكلمُ العشّاق والأطفال في دنيا القبورِ!

أجالسُ غسقَ السنونو، كانَ يأخذني طريق الشمسِ للعبّادِ، ثم أعودُ للعشّاقِ، فالعشاقُ أولى بالسماعِ، يقولُ شيخُ الواصلينَ، عشقتَ هذا الدربَ؟

أي درب الوضوحِ!

فلم أجب، كان انتظارُ الله يقلقني، وأسألُ، هل أرى.. يهتزُ خصرُ الجسرِ، تبدو من بعيدٍ، تخرقُ العادات بالسيرِ المعاجزِ، يستفيقُ الوجدُ، ما هذا التجلي! إنها سمراءُ بيضاءُ، العيونُ خليطُ أسرار الطبيعةِ، والشفاهُ عذوبةِ الأنهارِ، قالَ الشيخُ: بعدكَ، الفناءُ بعيدةٌ، وإذا تريد، ذهبتَ.. غادرتُ المفازةَ، وانتظرتُ على يباسِ البحرِ، في النجفِ العتيقةِ، القبورُ محطةٌ، لكنّ ما حجبَ الوصول الزهدُ، كانَ الزهدُ أرخصَ ما توفره البلاغة! مرَّ كبرى وابن سبعين، الجنيدُ، أبا يزيد، السهروردي القتيلُ، و.. يسألُ الحلاجُ هل وصلَ الجميعُ؟

 مضيتُ نحو البابِ، غُلّقَ وانتظرتُ..

بقيتَ أنتَ؟ فلم نكن إلا فرادى في الوضوحِ، فمن أرادَ الوصلَ غادرَ ما يريدُ لما يريدُ..

أقولُ: ما نفع الكلام بلا وضوحِ!

إذًا وصلتَ، يقولُ شيخُ الواصلينَ: إذًا عرفتَ، عرفتَ وحدكَ

كلّهم مرّوا على هذي الطريقةِ والطريقْ..

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

في البيت أنت

أمنيةٌ في التصعلك

دلالات: