25-مايو-2019

لا يوجد سند مؤكد يثبت صحة القصة لكنها لقيت تفاعًا رغم ذلك (Getty)

انشغل كثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، خلال الأيام القليلة الماضية، ولايزالوا، بقصة حب مؤلمة يُقال إن أحداثها وقعت في محافظة بابل قبل 20 عامًا، منعت الطبقية تتويجها بالزواج، فماتت بطلتها بمرض يفوق عناد القدر بخبثه، بعد سنة من انتظار حبيبها الغائب. وعينّت قبل وفاتها رمزًا يروي للناس قصتها.

تداولت صفحات ناشطة على الفيسبوك قصة حب بطلتها فتاة من بابل علقت دميتها تعبيرًا عن وفائها لحبيبها البغدادي

تقول القصة إن فتاةً اسمها مريم كانت تسكن، قبل عقدين، في شارع 40 بمحافظة بابل، أحبت شابًا اسمه هاشم يسكن في نفس الحي رغم أن أصوله من بغداد. ومرت أيام على علاقتهما حتى قرر خطبتها وذهب إلى العاصمة حيث يعيش أهله ليبلغهم بقراره ويصطحبهم لإتمام الخطبة، لكنهم رفضوا ذلك بسبب تفاوت المستوى الاجتماعي بين الأسرتين، فلم يعد هاشم بعدها إلى الحلة لمواجهة مريم بالحقيقة.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الحب "البيتي" في الموصل.. الحمدانية وحدها تحتفل

تحت نخلة كانا يلتقيان عندها، ظلت مريم تنتظر حبيبها لعدة أشهر. تأتي كل يوم عند الساعة الثانية ظهرًا، ثم تعود إلى منزلها خائبة في السادسة مساءً دون ملل، حتى أدركها اليأس، فعلّقت دمية كان قد أهداها هاشم لها في عيد ميلادها، على النخلة ذاتها كشاهد على وفائها لحبيبها المتواري.

بعد سنة من ذلك، أصيبت الفتاة بمرض السرطان، وعندما تيقنت بأن المرض سينفذ وعد الموت الذي يرافقه أينما حل، وأنها لن تكون من بين الناجين منه، أوصت أهلها بالاعتناء بالدمية وتنظيفها دائمًا، قائلة لهم: "في أي يوم.. عندما تشتاقون لي، اذهبوا عند النخلة". فالتزموا بذلك تكريمًا لذكراها، وفق القصة المتداولة.

"دمية مريم"

"هجوم ودفاع بين الجنسين"!

لقيت القصة تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل، وتنوعت ردود الفعل تجاهها، فبعض النساء والفتيات ذهبن إلى اتهام "جنس آدم" بالخيانة، مقابل دفاع بعض الرجال عن هاشم وإيجادهم أعذارًا تبرر غيابه بالموت مثلًا، ومطالبتهم الصفحات التي تداولت قصته بأدلة حول رفض أهله زواجه من مريم بسبب الفارق الطبقي تحديدًا بين العائلتين.

تفاعل الكثيرون مع القصة رغم غياب سند يؤكد حقيقتها، مشيرين إلى غياب قصص الحب الصادقة بوجود مواقع التواصل

آخرون من الجنسين، عبروا عن أسفهم لـ"غياب" مثل هذه الحالات من الحب الصادق في هذا الزمان كما يرون، مُلقين باللائمة في ذلك على الإنترنت الذي أصبحت المشاعر فيه مُشاعة وافتراضية كعوالم السوشيال ميديا، "لاتترجم إلى زواج إلا في القليل النادر".

ويستشهد هؤلاء، بحالات متعددة سجلتها الأجهزة الأمنية ومراصد حقوقية، خلال السنوات السابقة وحتى العام الجاري، لاستدراج فتيات من مدن ومحافظات مختلفة بقصص حب عبر الإنترنت، ثم اغتصابهن وقتلهن في بعض الأحيان، أو الاتجار بهن.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يفضل العشّاق قضاء مواعيدهم الغرامية بـ"السيارات" في بغداد؟

يوم الأربعاء الماضي، أعلنت قيادة شرطة واسط في بيان تسجيل حالة من هذا النوع، واعتقلت الفاعل الذي "استدرج فتاة من بغداد واعتدى عليها ثم قتلها وابتز ذويها".

آخرون تخوفوا من تحويل النخلة إلى مزار، مثلما حصل في حوادث مشابهة كتحويل جرارات زراعية وأعمدة كهرباء، إلى أشياء مقدسة استنادًا لقصص "أسطورية" مرتبطة بها، وذهب أناس إلى عقد أقمشة خضراء عليها طلبًا لـ "المراد".

"نفي بابلي"

وسط هذا التفاعل، نفى كثيرون من أهالي محافظة القصة تمامًا، موضحين أن هذه الدمية "ليست سوى فزاعة" عُلِّقت على النخلة لمنع الطيور من إتلاف التمر، وهو أسلوب يستخدمه المزارعون في كل أنحاء العالم لإيهام الطيور والبهائم بوجود إنسان قد يصيبها بضرر فيما لو اقتربت من الزرع.

وأشاروا، إلى أنها كانت موجودة في مشتل بمنطقة "بستان الحلو" قبل أن يهدم ويتحول إلى أبنية تجارية، فيما رأى بعضهم أن تداول، "هكذا قصة لا أساس لها"، بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وقطع مسؤولي صفحات، يتابعها مئات الآلاف، بصحتها يُمكن أن يكون معيارًا لتقييم مدى تقصي هذه الصفحات عن صحة المعلومات والتأكد منها قبل النشر.

يقول زين العابدين فاضل، وهو شاب من مدينة الحلة مركز محافظة بابل، لـ "ألترا عراق"، إن "القصة متداولة هنا، لكن لا أحد يعرف إن كانت صحيحة أم لا".

في الأعوام الماضية، ورغم كثرة المشاكل السياسية والأمنية والاجتماعية أصر كثير من العراقيين على الاحتفال، عند منتصف شباط/أبريل من كل عام، بعيد الحب أو "الفلانتاين"، وخلال هذه الأيام، تضج الأسواق والشوارع التجارية في بغداد ومدن أخرى بالهدايا ذات اللون الأحمر الخاص بهذه المناسبة، ويتصدر الشباب فئة المحتفلين دون أن يمنعهم من ذلك تفشي البطالة وانتقادات رجال دين.

بالمقابل شهدت السنوات الأخيرة أيضًا، حالات انتحار كثيرة لشبان وفتيات في عموم العراق. في بعض تلك الحالات، أشار مقربون من الضحايا أو مصادر أمنية مُطلعة على التحقيقات، إلى أن السبب الذي دفعهم لذلك هو استحالة الاقتران بالحبيب بسبب رفض الأهل، أو فشل قصة حب.

في بغداد، صدرت عن دار "قناديل" قبل أشهر قليلة رواية عنوانها "عرگشينة السيّد" للكاتب والقاص سلمان كيوش، تتحدث عن قصة حب تقع أحداثها في مدينة العمارة، وتشبه في بعض تفاصيلها قصة "مريم وهاشم". فالفارق الطبقي كان أحد الأسباب الرئيسة في افتراق بطلها "السيّد هاني الناجي العمارتلي" عن حبيبته الجميلة التي تسكن حي راقٍ بخلاف حالته.

 وبعد اكتشاف أهل الفتاة لعلاقتها بحبيبها، زوجوها من ابن عمها في منطقة نائية، ليموت "السيّد هاني الناجي" بظروف غامضة لايُعرف إن كان قد صنعها بنفسه أو أرادها القدر خاتمة لفجيعته، عقب أيام على وفاة ابنته الصغيرة بذات المرض الذي توفيت بسببه مريم، وسنوات عاش خلالها غربة العاشق وسط بيئة تنظر للحب كخطيئة تستدعي الغَسل بدم الرجل حينًا، والمرأة في أحيان كثيرة.

الشاعر والمدون علي وجيه كتب عن "عرگشينة السيّد": "لو كان الأمر بيدي، لأمرتُ بطبع 38 مليون نسخة من هذا الكتاب، ليقرأه العراقيون، ويكونوا عشاقاً، ويبكوا.. لو كان الأمر بيدي، لأمرتُ بتوزيعه مع الحصة التموينية..".

صدرت قبل أشهر رواية "عرگشينة السيّد" للكاتب والقاص سلمان كيوش تروي قصة حب تشبه إلى حد كبير قصة مريم ودميتها، وسط دعوات لقراءتها لنشر ثقافة الحب

وأضاف، : "لو كان الأمر بيدي، لكان اسم سلمان كيوش وشماً على جبيني، وقلبي وروحي"، فيما نصح متابعيه قائلًا: "اقرأوا هذا الكتاب الذي لا ثاني له.. اقرأوا هذا الكتاب رجاءً".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الشباب.. آخر ثروات العراق

ظاهرة "العطواني" تثير شبهات "المثلية" في مدينة الصدر.. من هؤلاء وأين العروس؟