ضمن خطواتها لتهدئة أسعار الطاقة التي ترى أنها تقود معدلات التضخم المرتفعة في الأشهر الأخيرة، قرّرت الولايات المتحدة الأمريكية اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الذي تملكه، والبالغ أكثر من 600 مليون برميل، وهو الأمر الذي أثار التساؤلات على مستوى دول أوبك، فضلًا عن الخبراء الذين ناقشوا تداعيات هذا الأمر على أسعار النفط التي ارتفعت أخيرًا مع تعافي الاقتصاد العالمي تدريجيًا ومحاولة التقليل من الآثار التي تركتها جائحة كورونا على الطلب العالمي.
تعد الخطوة الأمريكية الأخيرة محاولة غير مسبوقة عن طريق التنسيق من قبل خمسة من أكبر مستهلكي النفط في العالم لخفض أسعار النفط
وتتضمن خطة السحب من المخزونات الأمريكية 32 مليون برميل على مدار الأشهر القادمة، بحسب بيان البيت الأبيض، الذي أكد على "الإسراع بتنفيذ خطة تم اعتمادها سابقًا بالإفراج عن 18 مليون برميل ليصل الإجمالي إلى 50 مليون برميل، إضافة إلى التنسيق مع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية".
اقرأ/ي أيضًا: العراق ضمن أكثر الدول تأثرًا بتغييرات المناخ.. هل يستفيد من التوجه العالمي؟
وفعلًا، قالت الهند إنها "ستفرج عن خمسة ملايين برميل من احتياطياتها الاستراتيجية بالتنسيق مع نفس الدول"، ليعقبها موافقة كوريا الجنوبية على المشاركة في سحب مشترك من الاحتياطيات استجابة للطلب الأمريكي، فيما يبلغ المخزون البترولي الحالي في كوريا الجنوبية 97 مليون برميل وهو ما يكفي الاستهلاك لحوالي 106 أيام، وفقًا لوزارة الصناعة الكورية.
التنسيق بعد الرفض
وتعد هذه الخطوة محاولة غير مسبوقة عن طريق التنسيق من قبل خمسة من أكبر مستهلكي النفط في العالم لخفض أسعار النفط، وجاءت بعد رفض منظمة أوبك+ رفع الإنتاج أكثر من المتفق عليه بزيادة 400 ألف برميل يوميًا فقط كل شهر حتى نيسان/أبريل 2022، بل كانت قرارات أوبك+ التي ترى أن ليس هنالك ضرورة لضخ مزيد من النفط في الأسواق حاليًا رغم دعوات من الولايات المتحدة لمزيد من الإمدادات لكبح ارتفاع الأسعار.
القرار الأمريكي وإصرار أوبك+
على جانب المنتجين يرى تحالف أوبك+ أن حدوث تنسيق بين كبار المستهلكين للإفراج عن حصة من الاحتياطي الاستراتيجي يمثل تهديدًا للأسواق باعتباره مساهمة غير مطلوبة في زيادة المعروض من النفط، وهو ما يهدّد توازن السوق الذي تسعى لتحقيقه منذ انهيار الأسعار في نيسان/أبريل 2020، وفق ما ذكرته وكالة "بلومبرغ".
وعلى غرار ذلك، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي في تصريحات نشرتها "رويترز"، إنه "لا حاجة لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع مما هي عليه حاليًا، متوقعًا "حدوث فائض بالمعروض في الربع الأول من العام القادم".
بالمقابل، يرى البيت الأبيض أن "أسعار النفط مرتفعة وتؤثر على النمو الاقتصادي خصوصًا بعد ارتفاع أسعار البنزين الأخير".
"لا بديل للتحاور"
ضبابية مستقبل الأسعار تجعل الأنظار تتجه إلى اجتماع أوبك+ القادم، وسط توقعات بردود فعل عنيفة بعد القرارات الأخيرة لأكبر اقتصاديات العالم. ويعقد التحالف اجتماعًا الأسبوع المقبل لمناقشة خطط زيادة الإنتاج خلال شهر كانون الثاني/يناير 2022 وتعديل سياسة الإنتاج.
ويعتقد الخبير الاقتصادي، ثائر الفيلي أنّ "أوبك+ ليس لديها إلا زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار كما هو تاريخها بمثل هكذا أزمات".
والأسعار حاليًا، رهينة لأصحاب اقتصاد متأثر من حرب الجائحة، ويحاولون إصلاحه من مكاسب الخام، وكذلك مستهلكين تسيطر الأطماع على أسواقهم، في ظل خطر من الممكن أن يتسبب بتعثر الطلب بسبب انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا.
ويتوقع العراق الذي يعتمد اقتصاده بشكل شبه كامل على أسعار النفط، أن تصل الأسعار 100 دولار للبرميل في الربعين الأول والثاني من عام 2022، مع انخفاض المخزون العالمي إلى أدنى مستوياته.
اللجوء السابق للمخزونات
تاريخيًا، لم تلجأ الولايات المتحدة إلى السحب من المخزونات سوى ثلاث مرات فقط منذ عام 1975. وتقول وزارة الطاقة إنّ "وصول النفط إلى السوق الأميركية يمكن أن يستغرق 13 يومًا فحسب من صدور قرار رئاسي"، بمعنى لا يمكن للنفط الاحتياطي الاستراتيجي التأثير فورًا، فيجب سحبه ثمّ بيعه في السوق بعملية تستغرق حوالي أسبوعين، وهو ما يفسّر ارتفاع الأسعار رغم قرار السحب، حيث صعد برميل خام برنت إلى 80 دولارًا.
أسباب أخرى يطرحها الخبير الاقتصادي العراقي، ثائر الفيلي، قائلًا إنّ "عدة عوامل تؤثر كمشكلة النقل البحري في العالم الذي تعرض إلى زيادة هائلة غير مخطط لها في حجم سوق الشحن العالمي حيث ارتفعت الأسعار في بعض الخطوط إلى عشرة إضعاف"، مشيرًا إلى "زيادة الطلب على النفط بعد الركود الذي سببه إغلاق الجائحة"، لكنه بيّن أنّ "معظم الدول أصبحت تزيد من قدرة مخزوناتها النفطية أكثر مما كانت عليه قبل الوباء".
أما في حال فشلت الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها في خطوتها الأخيرة، فيؤكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـ "ألترا عراق"، أن "لا بديل لديها سوى التحاور مع أوبك+ مع توقع ارتفاع جديد للخام بعد انخفاض المخزونات".
اقرأ/ي أيضًا: