يعود عمار علي كل يوم وكل ملابسه تراب، أما حقيبته فقد طُبعت عليها آثار أقدام زُملائه في الصف. لا مكان يكفي عمار وعشرات التلاميذ للدراسة، فيضطرون للجلوس على الأرض، واضعين أوراقًا أو حقائب تقيهم الأوساخ. عمار، الذي ينتظم بدوام يومي في مدرسة بجانب الكرخ من العاصمة العراقية بغداد، يعود إلى المنزل ليس كحاله عند الخروج منه، فحسب والده: "كل ملابسه تُلطخ بالتُراب وبكل ما يوجد على الأرض، حتى حقيبته تشوهت بسبب الجلوس المتكرر عليها".
يعاني العراق من نقص في المدارس وتطورت المشكلة مع أزمة النزوح المتواصل وعدم اكتمال مشاريع البناء
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت أغلب المدارس في العراق، خاصة الابتدائية منها، تعمل بنظام الدوام الثُلاثي، بعدما كانت تعمل بنظام الدوام الثنائي (صباحي – مسائي)، لكن زادت أزمة النزوح في تدهور الوضع خاصة مع عدم اكتمال مشاريع البناء ونقص المباني المخصصة للتدريس. وكان وزير التربية العراقي محمد إقبال قد صرح أن العراق بحاجة إلى آلاف المدارس لسد النقص الحاصل فيه. واقترح بناء المدارس من قبل الأهالي على أن "يقوم صاحب المال ببناء المدرسة وتتعاقد معه الدولة على دفع إيجار مجزي لمدة عشرين سنة ثم تقوم الدولة باستملاكها كحل سريع للقضاء على ظاهرة قلة المباني المدرسية".
تقول وداد علي، معلمة عراقية، لـ"ألترا صوت"، إنها "تضطر خلال السنوات الأخيرة إلى تكثيف الحصص الدراسية للتلاميذ، وفي بعض الأحيان تطلب منهم واجبات فوق طاقتهم، قصد تجاوز ضيق الوقت ووجود تلاميذ آخرين في انتظار إفراغ الصف للتدريس فيه". وتضيف: "هناك ضغط كبير على المعلمين والتلاميذ بسبب ضيق الوقت، ووجود أكثر من مدرسة في البناية الواحدة، وأثر هذا الأمر بشكل سلبي على الواقع التعليمي وحتى الصحي وكذلك على العلاقة بين التلاميذ داخل المدارس".
لا يقتصر الإشكال في العراق على نقص المدارس فحسب، فهذه البلاد التي تقر ميزانيات مالية ضخمة على مدى أكثر من أربع سنوات، عجزت عن القضاء على مدارس الطين في جنوب العراق والتي لا تزال معتمدة للتدريس. في المقابل، تقول تقارير صحفية إن الحكومة الأمريكية أثناء تواجد قواتها العسكرية في العراق أنفقت أكثر من بليون دولار على التعليم في بلاد ما بين النهرين، وأقامت أكثر من خمسمائة مدرسة وأعادت تأهيل أكثر من ألفين وخمسمائة مدرسة أخرى بحسب برنــامج المعونات الأمريكية.
وتقول عضو لجنة التربية في مجلس النواب العراقي، ساجدة يونس، لـ"ألترا صوت": "إن هناك خطرًا كبيرًا على المستقبل التربوي في العراق، بسبب النقص الحاد في الأبنية المدرسية، في ظل أزمة اقتصادية يُعاني منها العراق، مما يُشكل عائقًا أمام وزارة التربية لإنجاز المشاريع المخطط لها". وتضيف أن "على وزارة التربية العمل بشكل حقيقي وجاد لإيجاد مخرج لهذه الأزمة التي ستكون لها تبعات وآثار سلبية في المستقبل".
ويحتاج العراق بحسب تقديرات تقارير بعض المؤسسات، من ستة آلاف إلى ثمانية آلاف مدرسة في عموم العراق، لسد النقص الحاصل وتوفير أماكن تعليم ملائمة للتلاميذ والطلبة العراقيين. وبحسب معلومات حصل عليها "ألترا صوت" فإن "التدريس للتلاميذ الآن يتم في أكثر من عشرين ألف مدرسة موجودة في أربعة عشر ألف بناية"، وهذا مؤشر خطير ويؤكد ازدياد الحاجة لبناء ما يقارب سبعة آلاف مدرسة.
عجزت الحكومات العراقية المتعاقبة عن القضاء على مدارس الطين في جنوب العراق
يذكر أن العراق يعاني ومنذ ثمانينيات القرن الماضي من قلة المدارس للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، إضافة إلى وجود مئات المدارس الطينية التي تنتشر في الأرياف والمناطق النائية في البلاد، مما جعل أكثر المدارس الموجودة تتبنى الدوام الثنائي والثلاثي في مسعى غير مجد لحل المشكلة.
بسبب النقص الحاصل في عدد الأبنية المدرسية في العراق، اضطر عدد من الأهالي إلى نقل أبنائهم من منطقة إلى أخرى، بعدما أيقنوا أن هناك مشاكل قد تحدث لأطفالهم في ظل الازدحام داخل الأبنية المدرسية. محمد سلام، الذي يسكن منطقة الحرية ببغداد، اضطر إلى نقل ابنه إلى منطقة الكاظمية المجاورة، في محاولة لإبعاده عن الصخب الحاصل في مدرسته القديمة.
ليس عمار علي وعلي محمد سلام وحدهما يعانيان من الاكتظاظ في المدارس الابتدائية، فمثلهما آلاف الأطفال غير قادرين على الانتقال لمدارس أخرى، فالبلاد التي يطفح النفط من أرضها وتُخصص مليارات الدولارات لقطاع التربية غير قادرة على إيجاد فرص تعليم إيجابية لهم.
اقرأ/ي أيضًا: