ألترا عراق ـ فريق التحرير
شهدت الأيام القليلة الماضية جولة من التنافس الشرس بين الشركات الاستثمارية الأمريكية والصينية في القطاع النفطي العراقي، ولم تظهر بوادر ذلك التنافس الشرس على كسب أكبر الفرص، لولا قيام وزير النفط إحسان عبد الجبار بمصارحة مجلس النواب بقنبلة من العيار الثقيل تمثلت بوجود رغبات كبيرة لدى الأمريكيين بالانسحاب من الحقول النفطية وبيع حصصهم، نظرًا لما يعانونه من انعدام البيئة المناسبة للعمل والخسائر المالية، على حد تعبيره.
لم تعلن وزارة النفط عن أي اتفاق حصل رسميًا ببيع حصة الشركة الأمريكية لغاية الآن
وقال عبد الجبار، في تصريحات صحافية، تابعها "ألترا عراق"، في أيار/مايو 2021 إن العراق يدرس شراء حصة "إكسون موبيل" في "غرب القرنة-1" عن طريق شركة نفط البصرة المملوكة للدولة، وعاد الوزير في مطلع تموز/يوليو ليكرّر ذات الموضوع ومخاطره، لكن هذه المرة أمام مجلس النواب في جلسة جرى استضافته فيها، حيث أكد أن "شركة شل انسحبت وبي بي البريطانية تريد الانسحاب، ولوك أويل وأكسون موبيل أرسلتا إشعارًا بالطلب نفسه، مبينًا أن "كل المستثمرين الكبار، أما يبحثون عن بيئة استثمارية ملائمة أو شريك ملائم، نحن لا نملكه في العراق".
اقرأ/ي أيضًا: بغداد تعلن توقيع الاتفاق.. كم تبلغ قيمة وقود العراق إلى لبنان؟
في السياق، نقلت وكالة "رويترز"، عن "أكسون موبيل"، أنها "أبرمت اتفاقًا مع بترو تشاينا وشركة سينوك الصينية العملاقة للنفط البحري والغاز، لشراء حصتها في كانون الثاني/يناير 2021، مشيرة إلى أن "إكسون أن برتامينا الأندونيسية مارست حقها في شراء الحصة التي كانت ستباع إلى سينوك، فيما أشارت إلى أن "إكسون رفعت دعوة تحكيم بحق نفط البصرة بشأن بيع حصة إكسون من حقل غرب القرنة، ولم تذكر البيع إلى شركة أمريكية".
من جهتها، لم تعلن وزارة النفط عن أي اتفاق حصل رسميًا ببيع حصة الشركة الأمريكية لغاية الآن، بل ما استجد فقط هو تصريح لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعد لقاء الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في البيت الأبيض، قال فيه إن "إكسون موبيل تدرس الخروج من العراق لأسباب تتعلق بممارساتها وقراراتها الإدارية الداخلية، وليس بسبب الوضع في العراق، مشددًا على أن "عندما تغادر إكسون موبيل فلن يقبل العراق بديلًا لها سوى شركة أمريكية أخرى، في إشارة إلى عدم قبول بغداد ببيع الحصة للشركات الصينية".
في السياق، يؤشر الخبير النفطي نبيل المرسومي، خمس نقاط على ما يطرح حول انسحاب الشركات الأمريكية، قائلًا في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "التذرع برداءة البيئة الاستثمارية كسبب رئيسي لانسحاب تلك الشركات يفتقد إلى المصداقية، لأن هذه الشركات بدأت في الاستثمار في قطاع النفط العرقي منذ عام 2010 والبيئة الاستثمارية في العراق آنذاك لا تقل سوءًا عن ما هو عليه الحال اليوم، أما عن النقطة الثانية، فهي تتمثل بأن الاستثمار قي الصناعة الاستخراجية لا يتأثر كثيرًا بطبيعة البيئة الاستثمارية، بسبب العوائد الضخمة التي تحصل عليها الشركات الأجنبية، ولأن الإنتاج والتصدير يكون خارج المدن وتحت حماية الشركات الأمنية الأجنبية، فضلًا عن أن الاستثمار في حقول التراخيص خالي من المخاطر لأنها استثمارات قصيرة الأجل يجري تسديدها خلال فترة وجيزة ضمن الكلف النفطية المستردة".
ويضيف المرسومي، أن "الملاحظة الثالثة تتمثل بكون الشركات الأجنبية تهتم بالربح الكبير والمستمر الذي حققته من خلال الاستثمار الكبير في تشييد منشآت البنية التحية في الحقول النفطية مستفيدة من كلف المناقصات المبالغ فيها، وبعد استكمال هذه المنشآت اقتصر الإنفاق حاليًا على الكلف التشغيلية التي لا تحقق لها الربح الكبير، كما لفت في النقطة الخامسة إلى أن "تقييد الإنتاج في حقول التراخيص النفطية أدى إلى الحد من زيادة أرباح الشركات الأجنبية المرتبطة بحجم الإنتاج في حقولها النفطية".
وأوضح الخبير النفطي، بشأن النقطة الخامسة، أن "انسحاب الشركات الأجنبية من حقول التراخيص النفطية سيتيح لها بيع حصصها بمبالغ كبيرة إلى الشركات الراغبة في الاستثمار في العراق وخاصة الشركات الصينية ومن ثم البحث عن فرص استثمارية مجدية في بلدان أخرى".
وتبلغ حصة شركة "إكسون موبيل" الأمريكية في حقل غرب القرنة 1، 32.7 بالمئة، وهو يعد واحدًا من أكبر حقول النفط في العراق، في وقت كانت الشركة ذاتها خلال عام 2019 قد أعلنت عن هدفها للمضي بمشروع تكلفته بلغت 53 مليار دولار لزيادة إنتاج النفط العراقي.
وبينما يؤكد المرسومي، مخالفة وزارة النفط بإجراءاتها العملية لمواد عقود التراخيص وخاصة المادة 28 ثانيًا وثالثًا، وهي تنص صراحة على تنازل الشركات الأجنبية عن حصصها إذا رغبت بذلك وليس بيعها، أشار إلى أنه "لا يمكن بناءً على ما ذكر قيام الوزارة بوصف العملية على أنها بيع حصة، وذلك لكون كلمة التنازل ذكرت بالمادة القانونية أكثر من عشر مرات، وتسمح لأي شركة تود الانسحاب عليها ترك حصتها لفرع الشركة التي كانت به، كما يجب أيضًا إبلاغ شركة نفط البصرة قبل مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا يحق لها البيع".
كما لا يعتبر ما يحصل اليوم للشركات الأمريكية بالشيء الجديد، كونه حصل سابقًا مع شركة شل التي انسحبت من حقل مجنون، وتنازلت عن حصتها لشركة نفط البصرة، فضلًا عن انسحاب شركة أكسل إنتل الأمريكية من حقل الزبير بذات الطريقة، فيما يعد المرسومي هذا التكرار بالانسحاب، يسهل حصول الشركات على أرباح مالية كبيرة لا تستحقها لأن كل التكاليف التي تنفقها تقوم باستردادها كل 3 أشهر، وفق ما مذكور في التكاليف النفطية.
وعن خشية وزارة النفط من الهيمنة الصينية على حقول النفط، يرى الخبير النفطي أنها صحيحة بوجود الاستثمار الصيني في 7 حقول كبرى، وتمتلك 46 % من حقل الرميلة، فضلًا عن استعداد الصينيين لشراء حصص أي شركة أجنبية تخرج من العراق لأسباب إستراتيجية تتعلق بتأمين إمدادات نفط مستقرة إلى الصين كونها تعتبر أكبر مستورد نفط في العالم بمعدل سنوي أكثر من 11 مليون برميل يوميًا.
وجرى تطوير حقل غرب القرنة 1، وتوسعته من جانب الشركة الأمريكية عام 2010، حيث يقدر احتياطي النفط في الحقل قرابة 8.5 مليارات برميل من النفط، وينتج بالمتوسط 300 ألف برميل يوميًا.
من جانبه، يعتقد الخبير النفطي علاء محمد، أن "الشركات النفطية الأجنبية تواجه مخاطر التهديدات المسلحة من العشائر المطالبة بتعيين أبنائها، وتقوم أحيانًا بقطع الطرق لتنفيذ مطالبها خاصة بمحافظات الجنوب، مؤكدًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن ذلك يأتي وسط الأهمية التي تعيرها تلك الشركات لحماية موظفيها وملاكاتها بالدرجة الأساس من أي تهديد على حياتهم بمثل هذه الهجمات التي يدفع بها نواب في البرلمان أيضًا أثناء تهجمهم في الإعلام عليها وإثارة الملفات التي لا وجود لها".
يقول مسؤول سابق في وزارة النفط إن هناك عدة شركات تهرب النفط العراقي لإيران وتقوم أيضًا ببيع النفط الإيراني باسم العراق في السوق العالمية
ويضيف محمد، أن "الصين تسيطر على حقل المنصورية ومصفى الفاو الجديد ومصفى ذي قار، بالإضافة للحقول الجنوبية، وهو ما يمكن تسميته بـ(الفخ الصيني) الذي يجب الحذر منه، مبينًا أن "هناك جهات مسلحة وسياسية مرتبطة بإيران الحليف الأقوى للصين تسعى لزج العراق في هذا الفخ لتمرير الصفقات النفطية لها والسيطرة كليًا على الملف النفطي، ولهذا لا يمكن السماح باستحواذ الشركات الصينية على حصة الشركات الأمريكية بل يجب منحها لبديل أمريكي يحافظ على التوازن بتلك المشاريع".
اقرأ/ي أيضًا: النفط تحيل مصفى الفاو الاستثماري الكبير إلى شركة صينية
ويرى الخبير النفطي، أن "الاستثمار النفطي مربح، لكنه محفوف بالمخاطر الذي يشكل نسبة 12 إلى 18% عالميًا، لكنها في العراق تصل 40% من قيمة المشروع الواحد وهو رقم عالي جدًا، رغم هناك دول في العالم مثل فنزويلا والمكسيك التي يوجد فيها عصابات ومافيات لا تتجاوز المخاطر نسبة 14% في المشاريع النفطية".
وعن كيفية فرض إيران سيطراتها على النفط العراقي عبر الشركات الصينية التي يقول خبراء إنها "تعمل كغطاء لها في عموم العراق"، يقول مسؤول سابق بوزارة النفط، في تصريح لـ"ألترا عراق"، مشترطًا عدم كشف هويته لأسباب أمنية، أن "هناك عدة شركات تهرب النفط العراقي لإيران وتقوم أيضًا ببيع النفط الإيراني باسم العراق في السوق العالمية، مؤكدًا أن "أبرزها شركة تدعى (seizure oil trading) وهي شركة صينية مقرها الرئيسي في مدينة الفجيرة بدولة الإمارات".
ويؤكد المسؤول، أن "الشركات الأخرى هي (Petro Grand FZE، Alphabet International DMCC وSwissol Trade DMCC وAlam Althrwa General Trading LLC وAlwaneo LLC Co)، وكلها تعمل بملاكات صينية، ولكنها تنفذ الأهداف الإيرانية في حقول النفط العراقية ومصنفة على القائمة السوداء بعقوبات فرضتها الخزانة الأمريكية عام 2019، لافتًا إلى أن "أي جهة حكومية لا يمكنها المساس بعمل هذه الشركات لكونها تتحرك ضمن العقود الاستثمارية الموقعة مع الجانب الصيني في الحقول المستثمر فيها".
اقرأ/ي أيضًا:
بعيدًا عن الفصائل.. لماذا تتحرك شركات نفط عملاقة لمغادرة العراق؟
الخام يحلّق وتحذير من "حرب أسعار".. ما موقف العراق من أزمة النفط؟