رأي

الأحوال الشخصية.. تعزيز للطائفية أم خطوة نحو تكريس النفوذ الإيراني في العراق؟

17 فبراير 2025
تعديل الأحوال الشخصية.jpeg
محاولات تشريعية أخرى قادمة تسعى إلى "مذهبة الدولة" (فيسبوك)
محمد رجا
محمد رجاكاتب من العراق

في ظل أجواء الفوضى والصراعات التي تشهدها المنطقة وتصاعد في الخطاب الطائفي بين الحين والآخر، تأتي محاولات تمرير هذا القانون، إذ لم تكن هذه المحاولات عبثية. للمرة الأولى، طرح وزير العدل الأسبق حسن الشمري، القيادي في حزب الفضيلة، قانون الأحوال الشخصية الجعفري قبيل اجتياح "داعش" عام 2014 وسقوط مناطق واسعة من العراق، مستغلًا المزاج المذهبي السائد آنذاك.

وتضمن القانون الذي قام بإعداده الشمري بواقع 254 مادة، وجرى الترويج له بمبرر "إنقاذ الطائفة الشيعية من ارتكاب الذنوب لأن بعض بنود القانون المدني الحالي لسنة 1959 يعارض الفقه الشيعي واستمرت مساعيه بمباركة 13 مرجعية دينية"، بحسب ما نشر في الموقع الرسمي لوزارة العدل، ورغم أن البرلمان العراقي، كان عاجزًا عن إقرار الموازنة العامة للدولة في حينها، والتي تعتمد عليها رواتب واستحقاقات ملايين العراقيين، استطاع الشمري تمرير القانون في مجلس الوزراء هذا في وقت كانت تنتظر فيه أكثر من 12 مشروع قانون الإقرار، من أبرزها قوانين النفط والغاز، مجلس الاتحاد، الأحزاب، والمحكمة الدستورية.

اليوم وبعد مرور عقد على محاولات تمرير، تجددت محاولات تمرير هذا القانون مرة أخرى في ظل صراع إقليمي تتدخل فيه إيران، مستغلين حالة التأجيج والتعاطف الشعبي في الشارع الشيعي. اللافت أن هذا القانون يطرح ضمن سلة واحدة مع قانون العفو العام، مما يثير شبهات حول الدوافع والآليات المستخدمة لتمرير مثل هذه القوانين.

ما هو القانون الجعفري؟

التعديلات الحالية هي جزء من مواد أعدها حسن الشمري بما يعرف باسم القانون الجعفري، وهو مجموعة من الأحكام القانونية التي تستند إلى الفقه الشيعي الجعفري، حيث تسعى التعديلات الحالية إلى تطبيق ثلاث مواد أساسية، الأولى؛ إضافة فقرة إلى المادة الثانية تتيح للعراقيين اختيار تطبيق أحكام المذهب الشيعي أو القانون الحالي في مسائل الأحوال الشخصية، والثانية؛ إلغاء الفقرة الخامسة من المادة العاشرة التي تجرّم عقد الزواج خارج المحكمة، والثالثة؛ تعديل يسمح بتوثيق المحكمة عقودَ الزواج لمن عقد زواجهما دون السن القانونية خارج المحكمة. 

وبحسب هذا التعديل تكون المحكمة المختصة عند أصدار قرارتها وفي جميع مسائل الأحوال الشخصية بتطبيق مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، مما يعني وضع القانون أمام محاكم خاضعة لمرجعيات مذهبية مختلفة، تتولى قضايا الأطفال والميراث والأسرة والحقوق الأخرى، مما يضع المواطنين أمام اجتهادات رجال الدين بدلاً من قوانين ومحاكم مدنية دون الأخذ بالتعارضات الطبية، النفسية، والاجتماعية التي قد تنشأ عن تطبيق هذه الاجتهادات أو التعديلات الحاصلة في القانون، أبرزها السماح بزواج القاصرات، فضلًا أن القائمين على هذه المدونة هم موظفون ورجال دين من مؤسسات إدارية تُعنى بإدارة الأوقاف السنية والشيعية، وقد لا يمتلكون المعرفة الكافية في التخصصات الطبية والاجتماعية والقانونية، مما يثير مخاوف فعلية حول صياغة تشريعات المدونة التي قد لا تضمن سلامة المرأة والمجتمع.

تبعات كارثية تهدد الطفولة والدولة!

التعديلات المقترحة في قانون الأحوال الشخصية تتعارض مع العديد من القيم الإنسانية والحقوقية، لما لها من أضرار نفسية وصحية على النساء، خصوصًا القاصرات وتساهم في تكريس ممارسات اجتماعية تضر المرأة والمجتمع بشكل عام، ولاتقف الأضرار وانعكاساتها على محور واحد، وهذا ما أوضحته بيانات هيئات ومنظمات دولية عن القانون القرار منذ الإعلان عنه عام 2014، حيث صرّح رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف آنذاك، بأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري "يهدد وحدة التشريع الوطني" ويحمل آثارًا كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي.

ومع تجدد محاولات تمريره في البرلمان العراقي، جددت المنظمات الدولية مواقفها من هذا القانون حيث حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن التعديلات "تسمح بزواج الفتيات دون سن التاسعة، وتُضعف حماية المرأة في الطلاق والميراث، ما يزيد من مخاطر العنف الجسدي والجنسي، ويؤدي إلى آثار صحية ونفسية وخيمة، فضلًا عن الحرمان من التعليم والعمل".

وفي السياق ذاته، دعت منظمة العفو الدولية المشرعين العراقيين إلى رفض هذه التعديلات، محذرة من أنها "تنتهك حقوق النساء والفتيات، وتُرسخ التمييز المجحف، وتسمح بزواج الأطفال"، لتضاف إلى التبعات ما بعد الأسرة والطفل والنسيج الاجتماعي في العراق، تبعات أخرى تهدد العراق من الخروج من اتفاقيات مهمة؛ أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إلى جانب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإذا ما تم تطبيق هذه التعديلات قد يعرض العراق لضغوط دولية وانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنه يهدد بقطع الدعم الدولي والمساعدات الخاصة بحقوق المرأة والطفل، بل وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات اقتصادية محتملة.

"مذهبة دولة" أم امتداد لتصدير الثورة الإيرانية؟

يعتقد العديدون ممن في التيارات المدنية والعلمانية التي تعارض هذا القانون بأنه مشروع لـ"مذهبة الدولة"، يهدف إلى تعزيز دور المؤسسات الدينية وتكريس الطائفية الدينية اجتماعيًا، مما يوفر للسلطة الحاكمة ورجال الدين تحكمًا أكثر في المجتمع لضمان الولاء السياسي انطلاقًا من الهيمنة الأيديولوجية والسلطة الرمزية للسيطرة أكثر على الحياة الاجتماعية والسياسية، فيما يرى آخرون أن الهدف من هذا القانون لا يقتصر على مذهبة الدولة، سيما إذا ما اقترنت في سياق أوسع لقوانين أو قرارات سابقة، مثل قانون العتبات المقدسة أو قانون الحشد الشعبي، فضلاً عن بعض القرارات التي ساهمت في التعاون الاقتصادي مع إيران في مجالات الطاقة والتجارة، فضلًا عن التوظيف الإعلامي والسياسي للعراق، بما يتماشى مع سياسة إيران، مع محاولات تعديلات في مجال التعليم، بالإضافة إلى التقارب الدبلوماسي الذي جعل العراق جزءًا من محور طهران في المنطقة.

إن الهدف يكون وراء هذه القانون هو مشروع أوسع لتكريس النفوذ الإيراني في العراق ضمن مشروع تصدير الثورة الإيرانية وسياساتها في المنطقة، وما يؤكد ذلك هو الاستدلال بسياقات وتجارب أخرى حصلت في مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، حيث في اليمن سبق وأقر الحوثيون قانونًا جديدًا للأحوال الشخصية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، يتضمن تعديلات في مسائل مثل الزواج والطلاق والميراث، كما أقروا في عام 2019 تعديلات على قانون السلطة القضائية، بالإضافة إلى قوانين أخرى مثل قانون "الخمس"، التي تكرس سلطة الجماعة وتوسّع نفوذها في المؤسسات القانونية. أما في لبنان وسوريا، هناك العديد من القوانين التي في تذهب باتجاه سواء مذهبة المجتمعات أو تعزيز النفوذ الإيراني من خلال القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية أو من خلال الاتفاقيات والقرارات الاقتصادية والسياسية التي في مجملها تعزز النفوذ الإيراني لتحقيق حضور متكامل تلعب من خلاله دورًا في صياغة المشهد الإقليمي من خلال التأثير الديني. وهذا يعيد التساؤل: هل الهدف من هذه المحاولات التشريعية هو مذهبة الدولة أم تكريس النفوذ الإيراني، أم كليهما معًا في العراق؟ وهل تمرير هذا القانون يعني أن هناك محاولات تشريعية أخرى قادمة تسعى إلى مذهبة الدولة وتعزيز النفوذ الإيراني؟ وأي قطاع أو فئة ستكون مستهدفة؟

 

الكلمات المفتاحية

.

الخطاب الانتخابي في العراق.. انحدار المضمون وضياع الاتجاه

"المتابع بدقة للخطاب الانتخابي الحالي يدرك سريعًا أنه خطاب فقير وهشّ"


انتخابات اقتراع صندوق الانتخابات التصويت.PNG

شيء عن المقاطعة و"تقديس الانتخابات" في العراق

تختلف أي انتخابات في عام ما بعد 2021 عن أي انتخابات سبقتها في العراق


.

كيف يقوّض النائب "المعقّب" البرلمان العراقي وما المطلوب فعله؟

كيف يستعيد مجلس النواب شيئًا من قدرته على توجيه القرار العام؟


.

الرأي العام العراقي بين العاطفة والمبادئ.. قراءة في انتقائية التفاعل

الرأي العام ليس مجرد ردة فعل شعبية

واسط
راصد

منع "البرمودة" في واسط.. الشرطة تصدر توضيحًا إثر انتقادات وردود ساخرة

أثار قرار منع ارتداء "البرمودة" ردودًا غاضبة وأخرى ساخرة ما دفع الشرطة إلى إصدار توضيح رسمي

عزوف عن الانتخابات.jpg
أخبار

قائمة بمحافظات عراقية أعلنت عطلة يومي الأحد والاثنين

بالتزامن مع الانتخابات الخاصة وقبل العامة


الخطوط الجوية مطار طيران
منوعات

النقل: لم نتلق إشعارًا رسميًا بغلق الأجواء أو إيقاف الرحلات حتى الآن

"تواصل الخطوط الجوية العراقية تنفيذ رحلاتها المجدولة داخليًا وخارجيًا خلال فترة الانتخابات وما بعدها"

انتخابات اقتراع صندوق الانتخابات التصويت.PNG
سياسة

طريقة تقديم شكاوى بخصوص عملية الاقتراع والعد والفرز اليدوي وأنواعها

شرح تفصيلي من المفوضية

الأكثر قراءة

1
مجتمع

كيف يحدث التشويش على GPS وتطبيقات الخرائط في المنطقة الخضراء وسط بغداد؟


2
سياسة

موزع ماريجوانا في ديترويت.. من هو مبعوث ترامب إلى العراق؟


3
سياسة

مشروع قطاع خاص يتحول لـ"ابتزاز" انتخابي.. مرشح مع السوداني يفصل موظفين لرفضهم انتخابه


4
سياسة

البرلمان يمرر قائمة السفراء المرسلة من السوداني.. حديث عن مخالفات و"إصرار على المحاصصة"


5
اقتصاد

تداعيات كارثية داخليًا وهزة قصيرة بالسوق العالمية.. خبير يفصّل في سيناريو "تصفير صادرات النفط العراقي"